الجامعة.. عالم جديد تمامًا ومختلف بالكلية عن المدرسة، فيه يعرف المرء أشخاصًا أكثر، ويتعرف على أفكار وعادات وتقاليد مختلفة، فهذا ابن المدينة، وذاك ابن القرية، وكل ششخص له طريقة مختلفة، وقد يتحير المرء فيما يختار من أصدقاء جدد في هذه المرحلة الصعبة التي تحدد بشكل كبير مستقبله.
إذ لا يستغني عاقل في حياته عن مصادقة ومصاحبة أو مؤاخاة ومخاللة، وقد عُرفت الصداقة منذ القدم، وكتب عنها كل ذي رأي وقلم، وأعلن عن أهميتها كل ذي فكر، ومما رسخ عند الخاصة والعامة أن الصاحب ساحب، ويكفي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: « المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل»، فيما قال بعض الشعراء: «عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه .. فكل قرين بالمقارن يقتدي».
أثر الصحبة
وأهمية اختيار الصديق في الجامعة، تأتي من حجم تأثيره، فإما يأخذك إلى النجاح أو إلى الضياع، غير أن أثر الصحبة لا ينتهي في الدنيا، وإنما هو مستمر في الآخرة... بهذا نطق الكتاب والسنة، قال تعالى: «الأَخِلاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلا الْمُتَّقِينَ» فهذا في الصالحة.. وفي الصحبة الأخرى قال: «وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلا (27) يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلا (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنْسَانِ خَذُولا».
وإذا كان للصداقة والصحبة كل هذه الأهمية وذاك الأثر، كان حريًا بالعاقل أن يولي الاختيار أولى همه، وألا يلجأ لـ(الشلل) التي لا تعلم عن الجامعة سوى الهرج والمرج والفسح، وربما معاكسة الفتيات، وربما يتطور الأمر لحد (المخدرات)، وهي أمور كلها تأتي من الأصحاب، فلتكن عزيزي الطالب مُركزًا بشكل جيد في اختيار من تصاحب.
اقرأ أيضا:
أصبت بالاكتئاب بعد وفاة أمي وتعالجت لكنني انتكست .. ما العمل؟أنواع الصداقة
ولكن كيف يختار الإنسان صاحبه؟.. والإجابة (أن تحدد أولا لماذا تريد الصديق)؟، ذلك أن مرادك منه هو الذي سيحدد كيفية اختياره، فإن الصحبة وصفات الصاحب تختلف باختلاف الغرض منها، والأصدقاء أنواع وأقسام، كما قال المأمون: "الإخوان على ثلاث طبقات: فإخوان كالغذاء لا يستغنى عنهم أبدًا، وهم إخوان الصفاء، وإخوان كالدواء يحتاج إليهم في بعض الأوقات، وهم الفقهاء، وإخوان كالداء لا يحتاج إليهم أبدًا، وهم أهل الملق والنفاق لا خير فيهم".
فعلى حسب مرادك من الصديق تتحدد معالم اختباره واختياره.. فصاحب الدنيا ليس كصاحب الآخرة، وصديق المرح ليس كصديق السفر، وزميل الدراسة ليس كزميل العمل، وصاحب السعة ليس كمن يعد لوقت الحاجة والضيق، وقد جاء بذلك الحديث الشريف الذي رواه احمد وأبو داود والترمذي عن أبي سعيد الخدري أنه سمع سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تصحب إلا مؤمنا ولا يأكل طعامك إلا تقي»، ليحدد لنا طريقة اختيار الصديق، باختصار (يجب أن يكون ممن يتقون الله).