التاريخ الإسلامي مليء بالروايات العديدة التي تروي إبداع الكرم لدى المسلمين، من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم، والتابعين، وهي روايات يجب على كل أب أن يعلمها لأبنائه حتى يوثق فيهم ضرورة وحب الكرم ومساعدة الناس، بل والإيثار على النفس، خصوصًا إذا علمنا أن جزاء ذلك عند الله عز وجل عظيم.
إذ يقول النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم: «إنما الكرم قلب المؤمن»، وما ذلك إلا لأن الكرم خلق إسلامي أصيل، يُجمِّل صاحبه، ويسمو به في مدارج الرفعة والإيمان، وفضيلة تبلغ بصاحبها عظيم منازل الآخرة، وفسيح نَعْمائها قال تعالى: « وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ» (آل عمران 133).
أجود العرب
وتتحدث السير عن أجود العرب، فتارة يقولون عبدالله بن جعفر بن أبي طالب، وتارة يقولون هو "عَرَابةُ الأوسي"، وأخرى يقولون هو قيس بن سعد بن عبادة، وأكثروا الجدال في ذلك، وارتفع ضجيجهم وهم بفناء الكعبة، فقال لهم رجل كان حاضرا : قد أكثرتم الجدال في ذلك، فليمضي كل واحد منكم إلى صاحبه يسأله وكأنه عابر سبيل حتى ننظر ما يعطيه، ونحكم، فقام صاحب عبدالله بن جعفر إليه، فصادفه قد وضع رجله في غَرْزِ ناقته (ركاب رحلها) يريد "ضيعةً" له أي حديقة غناء وأراضي زراعية خصبة، فقال يا ابن عم رسول الله، قال : قل ما شئت، قال : أنا ابن سبيل ومُنْقَطَعٌ به , فأخرجَ رجله من غرز الناقة، وقال له : ضعْ رجلك واسْتَوِ على الراحلة، وخذْ ما في الحقيبة، واحتفظ بالسيف فإنه من سيوف علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فجاء بالناقة والحقيبة فيها مطارف (نوع من الثياب) خزٍّ وأربعةُ آلاف دينار، وأعظمها وأجلها السيف.
فيما مضى صاحب قيسٍ فصادفه نائمًا، فقالت له جاريته : هو نائم فما حاجتك إليه ؟.. قال : أنا ابن سبيل ومنقطع به، قالت : حاجتُك أهون من إيقاظه، هذا كيسٌ فيه سبعمئة دينار، والله يعلم أن ما في دار قيس غيره، خذهُ وامْضِ إلى معاطنِ إبل له، فخذ راحلة من رواحلها وما يصلحها، وعَبدًا، وامضِ لشأنك، فقيل : إن قيسًا لما انتبه من رقدته أخبرته بما صنعت، فأعتقها.
ومضى صاحب عرابة إليه، فألفاه قد خرج من منزله يريد الصلاة، وهو يمشي ويتوكأ على عبدين، وقد كُفَّ بصره، فقال : يا عرابة، أنا ابن سبيل ومنقطع به، فـخـلَّى العبدين ورفع يديه عنهما ، وصفّق بيمينه على يسراه، وقال : أوّاه أواه ما تركتْ الحقوق لعرابة مالاً، ولكن خذهما ـ يعني العبدين ـ.. قال : ما كنتُ الذي أقصُّ جناحيك ونت أعمى.. قال : إن لم تأخذهما فهما حُرَّان ،فإن شئت تأخذْ وإن شئت تعتقْ، وأقبل يلتمس الحائط بيده راجعًا إلى منزله.
أيهم أكرم؟
وهنا اختلف الناس في الحكم، فقال بعضهم أكرم الناس هو عبدالله بن جعفر بن أبي طالب فقد وهب أفضل ما عنده وكان السيف علي بن ابي طالب أثمن شيء، وقال آخرون إن أكرمهم قيس بن سعد بن عبادة فمن كرمه وجوده جعل الجارية تتصرف و تنفق من ماله على المحتاج وعابر السبيل، ولكن اجتمع رأي الاغلبية على أن عرابة الأوسي أكرمهم لأنه بذل كل ما يملك وهو في أمس الحاجة إليه، فقد تخلى عن العبدين اللذين كانا يقودانه وهو أشد ما يحتاج إليهما لأنه كفيف، وقد نفذ ماله.. فما بالنا الآن لا نعطي ونحن نملك المال والولد والستر!.
اقرأ أيضا:
مصطفى إسماعيل. صوت من الأرض عانق السماء