دائمًا ما تسمع بعض العبارات المسيئة للمسلمين ولذممهم، نتيجة نقض البعض للعهود والمواثيق، والحلف كذبًا في البيسع والشراء، والخيانة في أداء الأمانة، فتجد بعض أصحاب العقيدة الضعيفة من بني جلدتنا يردون هذا على الإسلام وعلى المسلمين جميعًا، فيقولون عبارات كالتي نسمعها مثل "معاملة اليهود أو معاملة النصارى أحسن من معاملة المسلمين" وعبارة "المسلمين كذابين"، و"المسلمين غشاشين"، وعبارة "اليهودي لو تاجر معاك لا يمكن يغشك لكن جرب تعامل مسلم".
عبارات كاذبة لا علاقة لها بالإسلام
وكل هذه العبارات بعيدة تمام البعد عن الحقيقية، لأن الإسلام والقرآن هو أول من بنى عقيدة أصحابه على الوفاء بالعهود والمواثيق وعدم الحلف كذبا، بل إن كل آيات القرىن جاءت لتهذب أخلاق الناس وذممهم، ولكن أصحاب النفوس الضعيفة وهو مواجدون في كل الاديان، هم من يسيئون للإسلام والمسلمين بسبب حلفهم كذبا في البيع والشراء وغش الناس وخيانة الأمانة، فيأخذ أصحاب النفوس الضعيفة هذه السلوكيات المحرمة في الإسلام، على أنها صفة لكل المسلمين، وكأن الإسلام دلهم عليها.
وكما يحاسب الغشاش والخائن والكاذب في الإسلام، يحاسب أيضا أصحاب النفوس الضعيفة على هذه المزاعم التي يلفقونها كذبا وزورا للإسلام والمسلمين جميعهم، فالإنسان في ما يصدر عنه من أخلاق مرتبط بشرفه، وبما يصدر عنه هو وليس مرتبط بما ينتسب إليه، فكم من مسلم وليس له علاقة بالإسلام، وكم منافق ينسب نفسه للإسلام وهو برئ منه.
وفي خطورة الحلف كذبا والنفاق الخيانة ونقض العهود المواثيق، حذر ربنا تعالى المؤمنين أشد تحذير من هذه الصفات، حتى لا تكون فتنة للناس، وفتنة لغير المسلمين، ووجه غير مشرف للإسلام وأصحابه.
فقال الله تعالى في سورة النحل: " وَلَا تَتَّخِذُوٓاْ أَيْمَٰنَكُمْ دَخَلًۢا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌۢ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُواْ ٱلسُّوٓءَ بِمَا صَدَدتُّمْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ ۖ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ".
فقوله سبحانه وتعالى ( وَلاَ تتخذوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ ) تصريح بالنهى عن اتخاذ الإِيمان من أجل الغش والخديعة، بعد النهى عن نقض العهود بصفة عامة .
اظهار أخبار متعلقة
فتزل قدم بعد ثبوتها
أي ولا تتخذوا - أيها المؤمنون - الحلف بالله تعالى ذريعة إلى غش الناس وخداعهم واستلاب حقوقهم، فقد جرت عادة الناس أن يطمئنوا إلى صدق من يقسم بالله تعالى، فلا تجعلوا هذا الاطمئنان وسيلة للكذب عليهم ، ولإِفساد ما بينكم وبينهم من مودة .
فبعض الناس يستغل حسن نية غيره وحسن ظنه فيه، كما يستغل ربما مظهره من التدين متمثلة في اللحية والجلباب، ويخدع الناس في التجارة، ويحلف كذبا وزورا بالله، ويخون الأمانة، فيكون سببا مباشرا في الإسلامة للإسلام وأهله، وربما يكون فتنة لبعض أصحاب الممل الاخرى من المحسنين الظن في الإسلام، ويحبون أن يدخلوه، إلا أن مصادفتهم لمثل هذا المسلم الغشاش والكاذب تحول بينهم وبين دخولهم الإسلام، وتفتنهم، وتحيد بهم عن دين الحق، بسبب معاملتهم لهذا الشخص غير الأمين.
فيقول تعالى وينبه لذلك { وَلَا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ } وعهودكم ومواثيقكم تبعا لأهوائكم متى شئتم وفيتم بها، ومتى شئتم نقضتموها، فإنكم إذا فعلتم ذلك تزل أقدام بعد ثبوتها على الصراط المستقيم، { وَتَذُوقُوا السُّوءَ } أي: العذاب الذي يسوءكم ويحزنكم { بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ } حيث ضللتم وأضللتم غيركم { وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } مضاعف.
قال ابن كثير : حذر الله تعالى عباده عن اتخاذ الأيمان دخلا ، أى : خديعة ومكرا ، لئلا تزل قدم بعد ثبوتها؛ مثل لمن كان على الاستقامة وحاد عنها، وزل عن طريق الهدى بسبب الأيمان الحانثة، المشتملة على الصد عن سبيل الله ، لأن الكافر إذا رأى أن المؤمن قد عاهده ثم غدر به، لم يبق له وثوق بالدين والإسلام، فانصد بسببه عن الدخول فى الإِسلام .
وجاء في تفسير الطّبريّ: قوله تعالى: {وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلا بَيْنَكُمْ}، أي: ولا تجعلوا أيمانكم بينكم خديعة بينكم، يغترّ بكم الناس {فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا}، أي: فيصيبكم الهلاك، بعد أن كنتم في أمان منه، والعرب تقول: "زلّت قدمه"، لكلّ مبتلى أو متورّط بعد عافية وسلامة، وقوله: {وَتَذُوقُوا السُّوءَ}، أي: وتذوقوا أنتم عذاب الله الذي ينزل بأهل المعاصي في الدنيا، وذلك بعض ما عذب به أهل الشّرك والكفر، قوله:{بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}، أي: بكونكم سببًا في ابتعاد من أراد الإيمان بالله ورسوله عن الإيمان، {ولكم عذاب عظيم }، أي: سيكون مصيركم نار جهنم في الآخرة، وهؤلاء عمّن بايعوا رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ نقضوا عهدهم معه.
الإسلام والوفاء بالعهد
الوفاء أخو الصدق والعدل، والغدر أخو الكذب والجور، والصدق في الوعد وفي العهد من الأخلاق الإسلامية التي يتحلى بها المؤمنون، والكذب في الوعد وفي العهد من الرذائل التي يجتنبها المؤمنون، وقد وصف القرآن الذين يوفون بالعهد بأحسن الصفات فقال: طوَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ [البقرة: 177].
وقال تعالى: "بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ [آل عمران: 76].
ونقض الميثاق يؤدي إلى سوء السلوك والأخلاق، قال تعالى: "فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىَ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ [المائدة: 13]".
فقد ربى الله عباده على الوفاء بالعهد، وأمر الله عباده على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم بعدد من الوصايا التي تُكَوِّن جيلًا ذا خلق رفيع، ثم يختم تلك الوصايا الخالدة بقوله سبحانه: وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [الأنعام: 152] فالوفاء بالعهد، ضمانة لأداء تلك الأوامر، واجتناب ما ورد من نواهي، ومن ثمَّ يكون الانقياد والطاعة وحسن الخلق، وإخلاف العهد نقض للعهد، ينحطُّ بصاحبه إلى أسوأ البشر أخلاقًا وبخاصة إذا كان العهد مع الله، والخائنون لعهودهم هم من المخادعين الكاذبين ومن المنافقين ، قال تعالى عنهم: " فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُواْ اللّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ [التوبة: 77]).