أصحاب الحقوق دائما يكون له قوة ذاتية تجعلهم يتجرأون على الكلام لاسيما عند المطالبة بحقوقهم.
إن لصاحب الحق مقالاً:
وهذه الجرأة -إن صح التعبير- قد يكون لها مسوغها لأن صاحب الحق له مقال ولهذا فمن أغلظ على صاحب حق طلبه من رسول الله قل لهم النبي دعوه؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (كان لرجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم حق فأغلظ له، فهَمَّ به أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن لصاحب الحق مقالاً، فقال لهم: اشتروا له سِنَّاً (جملاً) فأعطوه إياه، فقالوا: إنا لا نجد إلا سِنّاً هو خير من سِنِّه، قال: فاشتروه فأعطوه إياه فإن من خيركم ـ أو خيركم ـ أحسنكم قضاء) رواه مسلم. ولفظ البخاري: (دعوه، فإن لصاحب الحقِّ مقالًا).
قال المباركفوري: "(فهمَّ به أصحابه) أي: أراد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن يؤذوه بالقول أو الفعل، لكن لم يفعلوا أدبا مع النبي صلى الله عليه وسلم، (دعوه) أي: اتركوه ولا تزجروه".
اللين من صفات النبي:
ومن أخلاق الإسلام السمحة أن يحسن المرء لمن أساء إليه ولا يدفعه الإساءة أن يسيء قال تعالى: {وَلَا تَسْتَوِي الحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}(فصِّلت:34)، قال السعدي: "أي: فإذا أساء إليك مسيء من الخَلق، خصوصاً من له حق كبير عليك، كالأقارب والأصحاب ونحوهم، إساءة بالقول أو بالفعل، فقابله بالإحسان إليه.
أداء الديون:
رد أموال الناس من الأمانات التي جاء الإسلام لتوطينها فالنبي في الهجرة حرص على ترك علي بن أبي طالب ليؤدي أمانات الناس وقد كان يلقب صلى الله عليه وسلم، بالصادق الأمين.
ومن أخذ أموال أحد على سبيل الاقتراض عليه أن يردها لمن أخذها إلا إن أعسر وهنا من حسن الخلاق أن ينظره صاحب الدين قال تعالى: "وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ".
وفي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدّى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله) رواه البخاري.
حسن الأداء من صفات النبي الكريم:
ومن أروع القصص التي ذكرتاها السيرة النبوية في أخلاق النبي في حسن الوفاء قال زيد بن سعنة: فلما كان قبل محل الأجل بيومين أو ثلاثة، خرج رسول الله في جنازة رجل من الأنصار ومعه أبو بكر وعمر وعثمان، ونفر من أصحابه، فلما صلَّى على الجنازة دنا من جدار فجلس إليه، فأخذت بمجامع قميصه، ونظرت إليه بوجه غليظ، ثم قلت: ألا تقضيني -يا محمد- حقي؟ فوالله إنكم -يا بني عبد المطلب- قوم مطل، ولقد كان لي بمخالطتكم علم!! قال: ونظرتُ إلى عمر بن الخطاب وعيناه تدوران في وجهه كالفلك المستدير، ثم رماني ببصره وقال: أي عدو الله، أتقول لرسول اللهما أسمع، وتفعل به ما أرى؟! فوالذي بعثه بالحق، لولا ما أحاذر فَوْتَهُ لضربت بسيفي هذا عنقك. ورسول الله ينظر إلى عمر في سكون وتؤدة، ثم قال: «يَا عُمَرُ، أَنَا وَهُوَ كُنَّا أَحْوَجَ إِلَى غَيْرِ هَذَا؛ أَنْ تَأْمُرَنِي بِحُسْنِ الأَدَاءِ، وتَأْمُرَهُ بِحُسْنِ التِّبَاعَةِ، اذْهَبْ بِهِ يَا عُمَرُ فَاقْضِهِ حَقَّهُ، وَزِدْهُ عِشْرِينَ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ مَكَانَ مَا رُعْتَهُ».
وهكذا كان رسول الله وفيًا محسنًا يعلم الناس الوفاء والإحسان في كل شيء.