ليس كما يشاع في الثقافة العربية الآنية من أن العرب قديما لاسيما من جحدوا رسالة الإسلام وناصبوا رسوله العداء كانوا مجردين من الأخلاق والفضائل.
فلقد امتاز العرب قبل الإسلام بالعديد من الصفات الفطرية التي نشأوا عليها وتعايشوا بها من نصرة المظلوم والوفاء العهد وحسن الجوار وإجارة من يستجير بك وغير ذلك من الفضائل.
من أخلاق أبي سفيان:
من المواقف الجميلة التي تبين أخلاق العرب ما كام من موقف أبي سفيان فقد خرج أبو سفيان بن حرب – قبل إسلامه - مع قافلة من قريش إلى أرض الروم، فاستدعاه هرقل ملك الروم بعدما وصلته رسالة النبي صلى الله عليه وسلم التي يدعوه فيها إلى الإسلام ليسأله عن محمد صلى الله عليه وسلم، فقال: هل تتهمونه بالكذب؟ قال: لا، وسأله: وهل يغدر؟ فقال: لا، فسأله: وهل يقتل؟ فقال: لا، عندها قال أبو سفيان: "فوالله لولا الحياء من أن يأثروا عليَّ كذبًا لكذبت عنه"، قاصدًا أنه رفض النيل من سمعة النبي، خوفًا من أن يقال عنه في مكة إن أبا سفيان كذب على محمد، لقد أبت عليه أخلاقه وقيمه الكذب وخاف على سمعته وهو كافر ويعتبر محمدًا صلى الله عليه وسلم عدوًا له.
المُطعم بن عدي وإجارته للرسول:
ومن المواقف التي سجلها ديوان العرب من أخلاق العرب موقف المطعم بن عدي فقد دخل الرسول صلى الله عليه وسلم مكة بعد عودته من الطائف في جوار المُطعم بن عدي وأهله بالرغم من كفرهم، حيث دعا المُطعم بنيه وقومه، وقال: البسوا السلاح، وكونوا عند أركان البيت، فإني قد أجرتُ محمدًا، ثم قام على راحلته، فنادى: يا معشر قريش، إني قد أجرت محمدًا، فلا يهجه أحد منكم، فانتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الركن، فاستلمه، وصلى ركعتين، وانصرف إلى بيته ومُطعم وولده يحيطون به بالسلاح حتى دخل بيته، كما كان المُطعم أحد الخمسة من المشركين الذين سعوا في نقض الصحيفة الجائرة وإنهاء الحصار الظالم الذي فرضته قريش على بني هاشم ومن معهم من المسلمين، لذلك قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم عند مناظرة أسرى بدر : "لو كان المُطعم بن عدي حيًا ثم كلمني في هؤلاء – الأسرى - لتركتهم له"، رغم أن المُطعم من مشركي مكة ومات على الشرك، فمن كرم الأخلاق أن يُجازى المحسنون، وأن يُشكروا على إحسانهم ولو بعد وفاتهم، من باب التشجيع على مكارم الأخلاق، حتى ولو كان فاعلها كافرًا.