أترضاه لنفسك؟!.. لا تجبر ابنتك حتى لا تدفعها للهلاك
بقلم |
أنس محمد |
الاحد 21 يناير 2024 - 08:05 م
يتساهل بعض الآباء، في إجبار بناتهن على الزواج من غير الأكفاء لهن، سواء كان في العمر والسن أو الوظيفة، أو حتى حقها في اختيار الإنسان الذي يرتاح له قلبها، وينتشر هذا السلوك خاصة في بعض الأقاليم، حيث تحكمهم بعض العادات والتقاليد القديمة والتي لا ترتبط بدين أو بأخلاق، في فرض إنسان ينال من امرأة بغير رضاها، لمجرد أن وافق أبوها على زواجها من ذلك الشخص، الأمر الذي يدفع بناتنا إلى بعض السلوكيات المضادة مثل الانتحار، أو انتشار الخيانة الزوجية.
ولا يتصور الإنسان أن يعيش مع شخص طوال عمره، وهو غير راض عنه، بل والمصيبة الأكبر، أن هذا الشخص المفروض عليك، مطالب منك أن تتبادل معه المشاعر الطيبة والقبلات، وان تكون مدينا له بقلبك، رغم رفضك له.
فإذا وضع الرجل نفسه مكان زوجته أو مكان ابنته، حينما يتزوج امرأة وهو لا يحبها، أو يعيش معها رغما عنه، فسيعرف شعور هذه المرأة حينما تتألم من هذا الزواج، خاصة وأن الرجل له من البدائل ما يعينه على الاستمرار حتى مع كراهيته لزوجته، من خلال الزواج بأخرى، لكن المرأة ليس لديها إلا خيار واحد هو الاستمرار في هذا الزواج المفروض عليها، أو اللجوء إلى ما يغضب الله عز وجل والوقوع في الحرام.
وقد ساوى الإسلام بين الرجل والمرأة في حق اختيار كل منهما للآخر، ولم يقبل الإسلام أن تعيش امرأة مع زوجها بغير رضاها، ولقد طلق النبي إحدى النساء حينما طلبت ذلك منه خشية الوقوع في الحرام، ولم يجعل الإسلام للوالدين سلطة الإجبار عليهما؛ فدور الوالدين في تزويج أولادهما يتمثل في النصح والتوجيه والإرشاد، ولكن ليس لهما أن يجبرا أولادهما- ذكورًا أو إناثًا – على زواج لا يرضونه، بل الاختيار الأخير في هذا للأبناء.
الإجبار على الزواج
وأكد الإسلام على خصوصية الزواج، وإن إجبار أحد الوالدين ابنته على الزواج بمن لا تريد محرم شرعًا؛ لأنه ظلم وتعدٍ على حقوق الآخرين، فللمرأة في الإسلام حريتها الكاملة في قبول أو رد من يأتي لخطبتها، ولا حق لأبيها أو وليها أن يجبرها على من لا تريد؛ لأن الحياة الزوجية لا يمكن أن تقوم على القسر والإكراه، وهذا يتناقض مع ما جعله الله بين الزوجين من مودة ورحمة.
وانظر كيف تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع المرأة ووليها في تحد واضح لكل نظم الجاهلية التي تظلم المرأة، وأثبت حقها في اختيار زوجها، وأبطل زواج من حاول إجبارها حتى وإن كان ذلك الشخص هو الأب، ولا يخفى ما في ذلك من مخالفة لعادات العرب وقتها، فكان ذلك امتحانًا لقلوب المؤمنين بأن يرضوا بالشرع الحنيف الذي يكرم المرأة، ويحترم إرادتها واختيارها، ويتبرأون من كل النظم التي تهين المرأة وتحتقرها وتظلمها.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم : « لا تنكح الأيم حتى تستأمر ،ولا تنكح البكر حتى تستأذن » .قالوا : يا رسول الله وكيف إذنها ؟ قال : « أن تسكت ».
و كان النبي صلى الله عليه وسلم ينصف من تأتي تشتكي إجبار أبيها لها على الزواج كما ثبت ذلك في سنته «أن جارية بكرا أتت النبي – صلى الله عليه وسلم - فذكرت له أن أباها زوجها وهى كارهة، فخيرها النبي – صلى الله عليه وسلم -».
ورُوي ؛أن رجلًا زوج ابنة له وهي كارهة؛ فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : إن - وذكرت كلمة معناها - أبي زوجني رجلًا وأنا كارهة، وقد خطبني ابن عم لي. فقال : «لا نكاح له انكحي من شئت».
وعن خنساء بنت خذام قالت : أنكحني أبي وأنا كارهة وأنا بكر، فشكوت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : «لا تنكحها وهي كارهة»، وروي أنه كانت امرأة من الأنصار تحت رجل من الأنصار، فقتل عنها يوم أحد وله منها ولد، فخطبها عم ولدها ورجل إلى أبيها، فأنكح الرجل وترك عم ولدها، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : أنكحني أبي رجلًا لا أريده، وترك عم ولدي، فيؤخذ مني ولدي، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم أباها، فقال : « أنكحت فلانًا فلانة؟» قال : نعم. قال : «أنت الذي لا نكاح لك. فاذهبي فانكحي عم ولدك».
ويقول ابن القيم عن حديث النبي – صلى الله عليه وسلم - : « وسألته – صلى الله عليه وسلم - عائشة رضي الله عنها عن الجارية ينكحها أهلها، أتستأمر أم لا ؟ فقال : (نعم تستأمر). قالت عائشة رضي الله عنها : فإنها تستحي، فقال – صلى الله عليه وسلم - : (فذاك إذنها إذا هي سكتت) متفق عليه.
استئذان الفتاة في الزواج
فقد أمر باستئذان البكر، ونهى عن نكاحها بدون إذنها ، وخير صلى الله عليه وسلم من نكحت ، ولم تستأذن. فكيف بالعدول عن ذلك كله ومخالفته؟!».
واهتمام الإسلام بقضية الاختيار بين الزوجين هو في الحقيقة اهتمام بالنواة الأساسية المكونة للأسرة، فبداية الأسرة رجل وامرأة اجتمعا على قدر كبير من التفاهم، مما يؤثِّر في الأسرة عندما تكبر وتتعدد أطرافها، وكما أعطى الإسلام المرأة الحق في اختيار زوجها أعطاها الخيار في البقاء معه أو فراقه عندما تسوء العشرة بينهما ولا يمكن التوفيق والصلح ولهذا شرع الطلاق لمصلحة المرأة والرجل على السواء.
وقد دلت على صور تخيير المرأة في قرار الانفصال نصوص كثيرة منها، ما روي عن ابن عباس ؛أن زوج بريرة كان عبدًا يقال له مغيث : كأني أنظر إليه يطوف خلفها يبكي ودموعه تسيل على لحيته، فقال النبي – صلى الله عليه وسلم- لعباس : «يا عباس ألا تعجب من حُب مغيث بريرة ومن بغض بريرة مغيثا؟» ،فقال النبي – صلى الله عليه وسلم- : «لو أرجعته؟» ،قالت : يا رسول الله أتأمرني؟ قال: «إنما أنا أشفع» قالت : فلا حاجة لي فيه ؛وذلك لما علمت أن كلامه ليس أمرًا، وإنما هو مشورة تخيرت تركه، حيث كان من حقها تركه بعد أن أصبحت حرة.
وجاءت امرأة ثابت بن قيس إلى النبي –لى الله عليه وسلم- فقالت : يا رسول الله، ما أنقم على ثابت في دين ولا خلق إلا أني لا أحبه، فقال صلى الله عليه وسلم : «فتردين عليه حديقته؟» ،فقالت: نعم، فردت عليه حديقته ،وأمره ففارقها.