قديما قالوا: (كثرة العتاب يقلل المحبة)، لأن المعاتبة كالرصاص تطلق في قلب الصديق أو الزوج أو الزوجة، أو الجار، أو الزميل في العمل، خصوصًا أننا بشر وقد نخطئ، لكن علينا الصبر على من أخطأ، لأنه يومًا ستتبدل الأحوال، ويخطئ معاتب الأمس، فيصبح في وضع من يتم معاتبته.
بينما يعلمنا الإسلام ما هو أعظم من العتاب، وهو التسامح، وقديمًا تعلموا (أدب التغافل)، لا يقفون عند كل صغير وكبيرة، ليعاتبوا بها ويتحدثوا بها هنا وهناك، وإنما يتغافلون ويمر الموقف كأن لم يكن، وهذا من شيم أهل الكرم وسادات القوم، بينما الصغار من شيمهم دائمًا كثرة الحديث للتقليل من شأن غيرهم، ولو من باب العتاب.
لعله خير
لا تقف على كلمة قالها صديق لك، تظل تعاتبه عليها العمر كله، وكأن العمر توقف أمامها، وإنما تغافل وسامح، فإنما هذه شيم الكبار.
يقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «لا تظنَّ بكلمة خرجت من أخيك المؤمن إلا خيراً، وأنت تجد لها في الخير محملاً»، فيما قال الإمام ابن القيم رحمه الله: «من أساء إليك ثم جاء يعتذر من إساءته، فإن التواضع يوجب عليك قبول معذرته، حقاً كانت أو باطلاً، وتكل سريرته إلى الله».
لذلك من سمات المسلم الفطنة، وليس هناك فطنة أهم من أن يتغافل عن أخطاء صاحبه مهما كانت، لأن الزمن كفيل بدفنها تمامًا، وفي ذلك يقول الإمام الشافعي رحمه الله: «الكيس العاقل؛ هو الفطن المتغافل»، فيما قال الإمام الحسن رحمه الله: «ما استقصى كريم قط ، قال الله تعالى: (عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ) (التحريم:3)».
اقرأ أيضا:
الفرق بين الكرم والسفه.. بطون المحتاجين أولىكن كيوسف
عزيزي السلم، كن كنبي الله يوسف عليه السلام، وأسرها في نفسك ولا تبدها لأحد، فذلك فعل الطيبين، فهكذا فعل نبي الله يوسف عليه السلام لما ذكر أمر ما وقع من إخوته - بعد وعده لهم أنه لا تثريب عليهم – قال: «وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاء بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي» (يوسف:100)، ولم يقل، من بعد أن فعل إخوتي ما فعلوا من محاولة قتلي أو التخلص مني وحرماني من أبي أو حرمانه مني، وإنما نسب الفعل إلى الشيطان.
بل وبدأ بنفسه فقال: «بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي» حتى لا يكون هناك تلميح ولو من بعيد بأن الشيطان أتى من ناحيتهم، وإياك أن تكون كمن يتصيد في الماء العكر، فيقف عند كل صغيرة، وكأنه يبحث في أخطاء الآخرين طوال الوقت، فعن ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح قال: «إن الرجل ليحدثني بالحديث فأنصت له كأن لم أسمعه قط وقد سمعته قبل أن يولد».