يقول المولى عز وجل في كتابه الكريم: «وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» ( الروم: 21)، فلو تدبرنا جيدًا الآية الكريمة، سنجد أن الله عز وجل، لم يصف المودة والرحمة بأنها سلوك أو طبع، وإنما وصفها بأنها آيات، وذلك للدلالة على عظمة وأهمية وجودها بيننا.
ذلك أن نتيجة هذه المودة والرحمة، تكون كالسحِر، لأنهما (أي المودة والرحمة) يسحران القلوب، مهما كانت العداوة، ويبدلان الكراهية حبًا ورحمة لا نهاية لها، بل تصبح منهج حياة لعلاقات كثيرة جدًا، تعيش في منتهى التفاهم والسعادة والصداقة والاحتواء، وقد وصف الله تعالى نفسه بالرحمة في كثير من الآيات القرآنية، فقال سبحانه: « وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ».
المودة والرحمة
للأسف البعض يتصور أن المودة والرحمة بين الناس، وخصوصًا بين الأزواج من الرفاهيات، بينما هي ليست كذلك، وإنما من أساسيات نجاح كل علاقة، سواء الزواج أو الصداقة أو الجيرة، أو البيع والشراء، أو أي معاملة كانت، فإذا أهمل الإنسان هذه المودة والرحمة، وصل إلى مرحلة الموت البطيء لهذه العلاقة، فتكون النتيجة هجر ورحيل، مع ألم كبير، لذلك وصف الله المودة والرحمة بأنهما آية أو معجزة إلهية، فعلينا التمسك بها، مع دعاء الله دومًا بألا يحرمنا منها يومًا ما.
فقد كان الكرام الذين رباهم النبي صلى الله عليه وسلم، وغرس خلق الرحمة في قلوبهم، خير مثال في التراحم والتعاطف والتآزر والمحبة والمودة، قال سبحانه: « وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ».
اقرأ أيضا:
هل يقف الإسلام وراء جرائم الدفاع عن الشرف؟ وما هي ضوابط إقامة حد الزنا؟صفات المؤمنين
الله تعالى وصف العلاقة (الطيبة) بين المؤمنين بأنها تلك التي تقوم على المودة والرحمة، فلقد أثنى الله تعالى على رسوله الكريم وصحابته فوصفهم بالتراحم بينهم، فقال سبحانه: « مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ».
فالرحمة ركيزة من أهم الركائز التي يقوم عليها المجتمع المسلم بجميع أفراده، والمؤمن لا يكون متجبرا ولا متكبرا، ولا من الذين يحملون قلوبًا قاسية، لا تشفق ولا ترحم ولا تلين، قال تعالى: « أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ » (الحديد: 16).