تتفاوت درجات العبادة لله تعالى فلا يمكن أن يتساوى من يعبد الله على حرف ومن هو متثبت فى عبادته لله تعالى كما لا يتساوى من يفهم مراد الله من قوله ومن يقلد دون فهم.
الفرق بين عبادة العابد وعبادة العالم:
هناك فرق كبير بين عبادة العابد الزاهد الورع وعبادة العالم المتثبت بعلمه فربما انشغل العابد بالمفضول من النوافل عن المشاركات الفاضل وهنا يكون لم يستثمر وقته بالشكل الصحيح.
بينما العالم يعلم من اين يبدأ ومن اي عبادة يبدأ ويرتب ذلك وفق ضوابط يفهمها ويتعامل من خلالها، لهذا جاء
تفضيل العالم على العابد، ومن ذلك قوله -صلى الله عليه وسلم-: فضل العالم على العابد، كفضلي على أدناكم. رواه الترمذي، وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع.
وقد جاء في "مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح": (وإن فضل العالم) والمراد به من غلب عليه الاشتغال بالعلم على عبادته النافلة (على العابد) المراد به من غلب عبادته على الاشتغال بالعلم (كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب) شبّه العابد بالكواكب؛ لأن كمال العبادة ونورها لا يتعدّى منه على غيره. وشبه العالم بالقمر الذي يتعدّى نوره، ويستضيء به وجه الأرض؛ لأن كمال العلم ونوره يتعدّى إلى غيره، فيستضيء بنوره المتلقى عن النبي صلى الله عليه وسلم، الذي هو شمس العلم والدِّين، وإنما قيده بليلة البدر؛ لكمال إضاءة القمر فيها، وانمحاء الكواكب في شعاعها.
قصة الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفسا:
ومما يدل على فضل وفهم العالم عن العابد ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفسا ، فسأل عن أعلم أهل الأرض ، فدُلَّ على راهب ، فأتاه فقال : إنه قتل تسعة وتسعين نفسا ، فهل له من توبة ، فقال : لا ، فقتله فكمل به مائة ، ثم سأل عن أعلم أهل الأرض ، فدُلَّ على رجل عالم ، فقال : إنه قتل مائة نفس ، فهل له من توبة، فقال : نعم ، ومن يحول بينه وبين التوبة ، انطلق إلى أرض كذا وكذا ، فإن بها أناسا يعبدون الله ، فاعبد الله معهم ، ولا ترجع إلى أرضك ، فإنها أرض سوء ، فانطلق حتى إذا نصَفَ الطريق أتاه الموت ، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب ، فقالت ملائكة الرحمة : جاء تائبا مقبلا بقلبه إلى الله ، وقالت ملائكة العذاب : إنه لم يعمل خيرا قط ، فأتاهم ملَكٌ في صورة آدمي ، فجعلوه بينهم ، فقال : قيسوا ما بين الأرضين ، فإلى أيتهما كان أدنى فهو له ، فقاسوه فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد ، فقبضته ملائكة الرحمة . قال قتادة : فقال الحسن : ذُكِرَ لنا أنه لما أتاه الموت نأى بصدره ).
وقفة مع الفرق بين العابد والعالم:
وهذه القصة لها فوائد كثيرة غير أن ما نتوقف فيه الآن هو أن العابد كان سببا بقلة فهمه فى قتل نفسه وتضييق الخير على الآخرين، بينما العالم يفهم مراد الله وأحكامه وهذه الأحكام توسع على الناس ولا تضيق عليهم.