امتد الحسد على النبي صلى الله عليه وسلم، من قبل ولادته وحتى بعد موته إلى يوم القيامة، حيث استكثر الكثير من أعداء الإسلام من اليهود والنصارى أن يخرج نبي آخر الزمان من العرب على وجه العموم ومن قريش خاصة، حتى أن قريشًا نفسها استكثرت على هذا اليتيم الذي نشأ بينهم أن يكون نبيًا رسولاً وأن يفوز بهذه المكانة الربانية التي لم يفز بها أحد من العالمين.
ويستمر هذا الحسد حتى وقتنا هذا، فتجد من يهاجم سنة النبي صلى الله عليه وسلم بين الحين و الآخر، ولعلم الله عز وجل بما يكنه هؤلاء الحاسدون من حقد على هذه المكانة المحمدية، فقد أقسم على نصرة نبيه صلى الله عليه وسلم، وجعل هديه هو هدي جميع الأنبياء، وجعل أعظم نبي في أنبيائه لا يملك إلا أن يكون تابعًا ومقتديًا بالمنهج النبوي لمحمد صلى الله عليه وسلم.
إن شانئك هو الأبتر
يقول الله تعالى في سورة "الكوثر": ﴿ إنا أعطيناك الكوثر* فصل لربك وانحر * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ ﴾ ".
ضمان رباني نصر به الله عز وجل رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وقطع من عاداه، وكل من طالت ألسنته غيظا منه ومن مقامه صلى الله عليه وسلم.
وقد أنزل الله تعالى سورةَ الكوثر المكية بعد تطاول المشركين على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أمثال العاص بن وائل السهمي، فقد جرَّتهم أمانيهم إلى توهُّم انقطاع أثر هذه الدعوة بموتِ رسول الله صلى الله عليه وسلم وانقضاء أجلِه، بحجة أن ليس له عقبٌ يخلفه من ولده.
إلا أن الله عز وجل كتب أن تكون رسالة محمد صلى الله عليه وسلم هي الرسالة الخالدة إلى أن تقوم الساعة، فقد رفع الله ذكرَه، وأبقى أثره، إلى أن يرث الله الأرض ومَن عليها؛ قال الله تعالى: ﴿ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ﴾ [الشرح: 4].
وفسر النبي صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: ﴿ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ ﴾ [الكوثر: 1 - 3]، بأن الكوثرَ نهر في الجنة، يشرب منه المؤمنون الذين انتَسَبوا إلى الإسلام قولًا وعملًا، ويُبعَد عنه كلُّ مَن بدَّل وغيَّر وأحدَث في الإسلام ما ليس منه.
روى البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال: لَمَّا عُرِج بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء قال: ((أتيت على نهر حافَتاه قبابُ اللؤلؤ مجوفًا، فقلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الكوثر)).
وعن أنس أيضًا: ((بينما أنا أسير في الجنة، إذا أنا بنهر حافَتاه قباب الدرِّ المجوف، قلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الكوثر الذي أعطاك ربُّك، فإذا طينُه - أو طيبه - مسكٌ أذفر)).
وشانئك هو الأبتر أي هو المقطوع مِن كل خير، المقطوع من كل ذِكر، المقطوع مِن كل أثر، المقطوع من كل عمل، المقطوع من كل هُدًى، المحروم من صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم دنيا وأخرى، المُبعَد عن حوضِ رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ حيث يقال له: سحقًا سحقًا.
فكل من عادى النبي صلى الله عليه وسلم ومنهجه الشريف، هو الأبتر، ومثله كمثل عُقبة بن أبي مُعَيط وأبي جهل وأبي لهب.
يقول بن تيمية: "فإنه سبحانه وتعالى بتر شانِئ رسولِه صلى الله عليه وسلم من كل خير، فيبتر ذكره وأهله وماله، فيخسر ذلك في الآخرة، ويبتر حياته فلا ينتفع بها، ولا يتزود فيها صالحًا لمعاده، ويبتر قلبه فلا يعي الخير ولا يؤهله لمعرفتِه ومحبته والإيمان برسله، ويبتر أعماله فلا يستعمله في طاعة، ويبتره من الأنصار فلا يجد له ناصرًا ولا عونًا، ويبتره من جميع القرب والأعمال الصالحة، فلا يذوق لها طعمًا، ولا يجد لها حلاوة، وإن باشرها بظاهره فقلبه شاردٌ عنها.
إن معاداة رسول الإنسانية بالإساءة إليه وإلى منهجه، مهما كانت المبررات، لا ينم إلا عن حقد على النبي صلى الله عليه وسلم سيد الأولين والأخرين، وإن القراءة المتأنية لسيرته تجعل الإنسان يُوقِن حقَّ اليقين أنه رحمة للعالَمين، فهو الذي علَّم البشرية الرحمة في أنقى أثوابها، وفي أجلِّ صورها، وهو الذي دعا إلى مكارم الأخلاق وحسن العشرة مع الناس جميعًا.
اظهار أخبار متعلقة
الأسوة الحسنة
يقول الله تعالى : ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ﴾ [الأحزاب: 21].
كان النبي بأخلاقه وبتلك المناقب المثالية العالية وعاءً للفضيلة: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4]؛ حيث تجسد فيض خلقه الرفيع على الإنسانية والعوالم الأخرى بالرحمة التي أضفاها عليه رب العالمين بقوله: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107].
وكان الرسول صلي الله عليه وسلم بهذا المعيار الإلهي رحمة الله للعالمين،والتي تجسَّدت في السلوك النبوي الفاضل في كل مجالات الحياة، فيجب أن نقابل هذا النبي بالحب من جميع الناس، لا بالتنكر له، والإساءة إليه، التي تكفَّل الله تعالى بردِّها عنه من أي حاقد وحاسد وشانئ إلى يوم الدين، ﴿ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ ﴾ .