الزراعة صدقة جارية؛ ففي الحديث: «سَبْعٌ يَجْرِي لِلْعَبْدِ أَجْرَهُنَّ وَهُوَ فِي قَبْرِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ: مَنْ عَلَّمَ عِلْمًا أَوْ أَجْرَى نَهْرًا أوْ حَفَرَ بِئْرًا أوْ غَرَسَ نَخْلًا أَوْ بَنَى مَسْجِدًا أَوْ وَرَّثَ مُصْحَفًا أَوْ تَرَكَ وَلَدًا يَسْتَغْفِرُ لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ».
الزراعة في السيرة النبوية:
كانت هناك مجموعات من الناس تعمل في الزراعة، ففي المدينة كان الأوس والخزرج يعملون بالزراعة بأنفسهم وبالاستعانة بغيرهم، وكانت هناك مجموعات من الأحباش تعمل في حقول المدينة، وكان تنظيم شئون الزراعة في الصدر الأول من الإسلام، ومن ذلك: الإقطاع للزراعة والسكن، إحياء الأرض الموات، تنظيم البساتين الزراعية، وتنظيم المعاملات الزراعية.
من ضوابط الإنتاج الزراعي في المنهج الإسلامي:
أن تكون الزراعة في الحلال الطيب: قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا}، كما يجب البعد عن المخالفات الشرعية، والتي وردت في كتب الفقه، ومنها على سبيل المثال قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لاَ تَبِيعُوا الثَّمَرَ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاَحُهُ، وَلاَ تَبِيعُوا الثَّمَرَ بِالتَّمْرِ»، ومن الضروري الالتزام بسلم الأولويات في الإنتاج الزراعي: فلا يجوز زراعة أنواعًا من الفاكهة وترك ضروريات الحياة مثل القمح.
حرمة الإفساد في الأرض:
قال تعالى: {وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا} أي: "ولا تفسدوا في الأرض الصالحة بإشاعة المعاصي والظلم والاعتداء"، بل إن الإسلام يعلمنا أن في مقابل كل حق واجبًا، فكما تخدمك الأرض فعليك أن تخدمها وتحافظ على بيئتها الطبيعية، فهي في نظر الإسلام أمنا بعد حواء، فقد خلقنا الله منها، ثم نعود إليها، ثم نخرج منها.
أسس بناء وإعداد العامل الزراعي لرفع الكفاءة الإنتاجية الزراعية:
لابد من بنائه البناء المتكامل، ومن ذلك البناء الإيماني والأخلاقي، الصحي، والثقافي....إلخ.
مثل المسلم كالنخلة: ففي صحيح مسلم من حديث عبدالله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةً لَا يَسْقُطُ وَرَقُهَا، وَإِنَّهَا مَثَلُ الْمُسْلِمِ، فَحَدِّثُونِي مَا هِيَ؟» فَوَقَعَ النَّاسُ فِي شَجَرِ الْبَوَادِي، قَالَ عَبْدُ اللهِ: وَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ، فَاسْتَحْيَيْتُ، ثُمَّ قَالُوا: حَدِّثْنَا مَا هِيَ؟ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ فَقَالَ: «هِيَ النَّخْلَةُ» قَالَ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعُمَرَ، قَالَ: لَأَنْ تَكُونَ قُلْتَ: هِيَ النَّخْلَةُ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كَذَا وَكَذَا" قال العلماء شبه النخلة بالمسلم في كثرة خيرها ودوام ظلها وطيب ثمرها ووجوده على الدوام فإنه من حين يطلع ثمرها لا يزال يؤكل منه حتى يبس وبعد أن ييبس يتخذ منه منافع كثيرة ومن خشبها وورقها وأغصانها فيستعمل جذوعا وحطبا وعصيا ومخاصر وحصرا وحبالا وأواني وغير ذلك ثم آخر شيء منها نواها وينتفع به علفا للإبل ثم جمال نباتها وحسن هيئة ثمرها فهي منافع كلها وخير وجمال كما أن المؤمن خير كله من كثرة طاعاته ومكارم أخلاقه (فوقع الناس في شجر البوادي) أي ذهبت أفكارهم إلى أشجار البوادي وكان كل إنسان يفسرها بنوع من أنواع شجر البوادي وذهلوا عن النخلة.
معًا نفوز بالحسنات بغرس النخيل:
جاء في صحيح مسلم عَنْ جَابِرٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَى أُمِّ مُبَشِّرٍ الْأَنْصَارِيَّةِ فِي نَخْلٍ لَهَا، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ غَرَسَ هَذَا النَّخْلَ؟ أَمُسْلِمٌ أَمْ كَافِرٌ؟» فَقَالَتْ: بَلْ مُسْلِمٌ، فَقَالَ: «لَا يَغْرِسُ مُسْلِمٌ غَرْسًا، وَلَا يَزْرَعُ زَرْعًا، فَيَأْكُلَ مِنْهُ إِنْسَانٌ، وَلَا دَابَّةٌ، وَلَا شَيْءٌ، إِلَّا كَانَتْ لَهُ صَدَقَةً» (إلا كان له صدقة) أي إلا كان هذا الأكل له صدقة، أي يشبه الصدقة في حصول الأجر الأخروي. وبذلك يتضح لنا ما يأتي:
1- فضيلة الغرس والزرع.
2- الحض على عمارة الأرض لنفسه ولمن يأتي بعده.
3- قد يثاب المرء رغم أنفه، وأن نفع المسلم المسلمين مأجور عليه، وإن لم يقصد.
4- في الإحسان إلى كل ذات كبد رطبة أجرًا .
5- علو الهمة والإيجابية في إعمار الأرض وفعل الخير.