اشتهر الحجاج بن يوسف الثقفي بأنه (طاغية وسفاح) كما كان يصفه خامس الخلفاء الراشدين عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه، إلا أنه مع كل ذلك، كان قصب السبق في أنه أول من أمر بضبط حروف المصحف.

إذ يروي المؤرخون أنه لما انتشر المصحف الشريف بين العرب في أكثر من مكان، لم يكن بالمصحف (نقط على الحروف)، ففزع الحجاج من هذه الحروف المتشابهات، ودعا كُتابه لأن يضعوا لهذه الحروف المشتبهة علامات، حتى لا يقع الناس في المشتبهات، فيقرأون القرآن بصيغ مختلفة، خصوصًا أن المصحف المعتمد حينها كان هو مصحف عثمان بن عفان رضي الله عنه، وكان قد مر عليه فترة من الوقت تزيد عن 40 عامًا.

فيقال: إن نصر بن عاصم قام بذلك فوضع النقط أفرادًا وأزواجًا وخالف بين أماكنها، حتى يتم التفريق بين الفاء والقاف، وبين الياء والتاء، والخاء والحاء، وهكذا، وهو ما ظل موجودا العمل به حتى يومنا هذا.

وقيل إن التنقيط اشتهر في عهد عبد الملك بن مروان وأمر بتنقيط القرآن الكريم، وذلك بعد اتساع الرقعة الجغرافية للدولة الإسلامية، ودخول الكثير من الأعاجم في الإسلام واختلاطهم بالعرب، مما أدّى إلى ظهور اللّبس والإشكال في قراءة المصحف، وقد كلّف عبد الملك بن مروان الحجاج بن يوسف الثقفي بمهمّة تنقيط القرآن الكريم، فاستعان الحجّاج بعالمين من خيرة علماء المسلمين.

وفي روايات أخرى، يقول بعض المؤرخين، إن أول من (نقط) المصحف هو أبي الأسود الدّؤَلي، فهو أول من نقط الحروف، وأول من نقط المصحف الشريف، وهو تابعي جليل من أصحاب الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فشكل المصحف بالنقط، فجعل النقطة أمام الحرف علامة على الضمة، وفوقه علامة على الفتحة، وتحته للكسرة، واستمرت الكتابة على هذا إلى أن جاء الخليل بن أحمد الفراهيدي فوضع ضبطًا أدق من ضبط أبي الأسود، فجعل النقط لإعجام الحروف، وجعل ألفًا مبطوحة فوق الحرف علامة على الفتح، وتحته علامة على الكسر، وجعل رأس واو صغيرة علامة على الضمة، وأما وضع الأجزاء والأحزاب، فقد جاءت بعد ذلك على يد نصر بن عاصم، ويحيى بن يعمر بأمر وإشراف من الحجاج بن يوسف الثقفي والي العراق من قِبل الخليفة عبد الملك بن مروان.

اقرأ أيضا:

من القلب إلى القلب.. هكذا حال العباد مع مراقبة الله