من علامات الإيمان أن يكره المؤمن ما يناسبه من شهواته إذا علم أن الله يكره فتصير لذته فيما يرضى مولاه وإن كان مخالفًا لهواه ويكون ألمه فيما يكره مولاه وإن كان موافقًا لهواه .
فوائد:
-إذا كان هذا فيما حرم لعارض الصوم من الطعام والشراب ومباشرة النساء فينبغي أن يتأكد ذلك فيما حرم على الإطلاق: (كالزنا وشرب الخمر وأخذ الأموال أو الأعراض بغير حق وسفك الدماء المحرمة).
- فإن هذا يسخطه الله على كل حال وفي كل زمان ومكان فإذا كمل إيمان المؤمن كره ذلك كله أعظم من كراهته للقتل والضرب ولهذا جعل النبي صلى الله عليه وسلم من علامات وجود حلاوة الإيمان أن يكره أن يرجع إلى الكفر بعد أن أنقذه الله كما يكره أن يلقى في النار.
- وقال يوسف عليه السلام: "رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه".
- وسئل ذو النون المصري متى أحب ربي؟ قال: إذا كان ما يكرهه أمرّ عندك من الصبر.
- و وقال غيره: ليس من أعلام المحبة أن تحب ما يكرهه حبيبك وكثير من الناس يمشي على العوائد دون ما يوجبه الإيمان ويقتضيه فلهذا كثير منه لو ضرب ما أفطر في رمضان لغير عذر ومن جهالهم من لا يفطر لعذر ولو تضرر بالصوم مع أن الله يحب منه أن يقبل رخصته جريا على العادة.
- وقد اعتاد مع ذلك ما حرم الله من الزنا وشرب الخمر وأخذ الأموال والأعراض أو الدماء بغير حق فهذا يجري على عوائده في ذلك كله لا على مقتضى الإيمان.
- من عمل بمقتضى الإيمان صارت لذته في مصابرة نفسه عما تميل نفسه إليه إذا كان فيه سخط الله وربما يرتقي إلى أن يكره جميع ما يكره الله منه وينفر منه وإن كان ملائما للنفوس، كما قيل:
عذابه فيك عذاب ... وبعده فيك قرب
وأنت عندي كروحي ... بل أنت منها أحب
حسبي من الحب أني ... لما تحب أحب
لماذا الصيام سر بين العبد وربه؟
الصيام سر بين العبد وربه لا يطلع عليه غيره لأنه مركب من نية باطنة لا يطلع عليها إلا الله وترك لتناول الشهوات التي يستخفي بتناولها في العادة.
ولذلك قيل: لا تكتبه الحفظة وقيل: إنه ليس فيه رياء كذا قاله الإمام أحمد وغيره.
فمن ترك ما تدعوه نفسه إليه لله عز وجل حيث لا يطلع عليه غير من أمره ونهاه دل على صحة إيمانه والله تعالى يحب من عباده أن يعاملوه سرا بينهم وبينه وأهل محبته يحبون أن يعاملوه سرا بينهم وبينه بحيث لا يطلع على معاملتهم إياه سواه.
وقد كان بعض العارفين يود لو تمكن من عبادة لا تشعر بها الملائكة الحفظة.
وقال بعضهم: لما اطلع على بعض سرائره إنما كانت تطيب الحياة لما كانت المعاملة بيني وبينه سرا ثم دعا لنفسه بالموت فمات.