خير الأمور أوسطها .. هذه حقيقة معلومة وقد جاء بها الإسلام حتى إن الأمة الإسلامية أمة وسط،قال الله تعالى: {سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ . وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً..}(البقرة: 142-143).
ومعنى إن الأمة الإسلامية وسط أنها وسط فى صفاتها وأخلاقها وعباداتها، يقول الإمام ابن كثير رحمه الله: (ولما جعل الله هذه الأمَّة وسطًا، خصّها بأكمل الشرائع، وأقوم المفاهيم، وأوضح المذاهب).
التوسط فى الصفات:
ومن مظاهر وسطية الأمة الإسلامية أنها وسطية فى الصفات فلا تذهب الى أقصى اليمين ولا أقصى اليسار يقول ابن الأثير- رحمه الله تعالى- في بيان أفضليّة التّوسّط: (كلّ خصلة محمودة لها طرفان مذمومان: فالسّخاء وسط بين البخل والتّبذير، والشّجاعة وسط بين الجبن والتّهوّر، والإنسان مأمور أن يتجنّب كلّ وصف مذموم، وتجنّبه يكون بالتّعرّي منه، والبعد عنه، فكلّما ازداد منه بعدا ازداد إلى الوسط تقرّبا؛ ولذلك فإنّ أبعد الجهات والمقادير والمعاني من كلّ طرفين وسطها، فإذا كان في الوسط، فقد بعد عن الأطراف المذمومة بقدر الإمكان).
وبهذا يعلم عدم التعصب بأمر دون آخر فلا يحسن أن يكون المسلم متهورا كما لا يحسن أن يكون جبانا فخير الامور الوسط بأن يكون شجاعا، وهذا فى الصفات.
التوسط في العبادات:
ومن مظاهر التوسط أيضا في الأمة الإسلامية أنها وسط فيما تأمر به اتباعها من العبادات، فلا تانى لا بالتشدد ولا تامر بالتفريط ، وبهذا كانت دعوته صلى الله عليه وسلم للتوسط فى الطاعة وعدم التشدد وقد بين هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه فى أكثر من موضع ومن هذا ما جاء عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّه قال: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يسألون عن عبادة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فلمّا أخبروا كأنّهم تقالّوها، فقالوا: وأين نحن من النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم؟ قد غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر. قال أحدهم: أمّا أنا فأنا أصلّي اللّيل أبدا، وقال آخر: أنا أصوم الدّهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النّساء فلا أتزوّج أبدا.
فجاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: "أنتم الّذين قلتم كذا وكذا. أما والله إنّي لأخشاكم لله وأتقاكم له لكنّي أصوم وأفطر، وأصلّي وأرقد، وأتزوّج النّساء فمن رغب عن سنّتي فليس منّي".
وعنه أيضا أنّه قال: دخل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فإذا حبل ممدود بين السّاريتين، فقال: "ما هذا الحبل؟" قالوا: هذا حبل لزينب، فإذا فترت تعلّقت به. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم:"حلّوه، ليصلّ أحدكم نشاطه، فإذا فتر فليقعد".
وقال صلى الله عليه وسلم: "سدّدوا وقاربوا واغدوا وروحوا وشيء من الدّلجة. والقصد القصد تبلغوا".
قال ابن رجب رحمه الله: (والتسديد: العمل بالسداد، والقصد والتوسط في العبادة
التوسط في الإنفاق:
ومن مظاهر الوسطية فى الأمة أنها تامر اتباعها بالاعتدال حتى فى الإنفاق، قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً}(الفرقان: 67).
قال ابن كثير: (أي : ليسوا بمبذرين في إنفاقهم فيصرفون فوق الحاجة، ولا بخلاء على أهليهم فيقصرون في حقهم فلا يكفونهم، بل عدلا خيارا، وخير الأمور أوسطها، لا هذا ولا هذا، (وكان بين ذلك قواما ).
قال الله تعالى: {وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً}(الإسراء: 29).
ولهذا وغير كانت أمة الإسلام أمة وسط.. تدعو المسلم لأن يكونوا معتدلين فى كل أمورهم .