بقلم |
محمد جمال حليم |
الاربعاء 26 يونيو 2024 - 07:47 ص
لا يمكن وصف الإسلام بعيدا عن تشريعاته وأحكامه ومن أهم ما جاء فيه أنه أعلى من قيمة الأخلاق بدرجة كبيرة جدا ليس بين المسلمين وبعضهم فقط بل بينهم أيضا وبين غيرهم.
المنظومة الأخلاقية في الإسلام:
وفى كتابه أوضح د . عبد الحليم عويس أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية أن المنظومة الأخلاقية في الإسلام تشتمل على جملة أخلاق يصح أن نسميها "أخلاق التعايش"، ونعني بها تلك الأخلاق المنظمة لشئون المجتمع الإسلامي وعلاقات أبنائه فيما بينهم، سواء العلاقات بين المسلمين أنفسهم، أو العلاقات بينهم بين غيرهم من أصحاب الأديان الأخرى.
أخلاق التعايش في الإسلام:
ويضيف فى كتابه الذي جاء تحت عنوان " أخلاق التعايش فى الإسلام" أن تلك الأخلاق تزيد من مساحة التعاون والتضامن والتكافل بين المواطنين الذين يعيشون في دولة واحدة أو في وطن واحد. ويشير عويس إلى أن التكافل بين المسلمين يسمى (الأخوة الإيمانية)، وهي أخوة عامة بين المسلمين، وفي مرحلة قيام الدولة الإسلامية قام تكافل، أو أخوة خاصة تسمى (المؤاخاة)، والمؤاخاة أخص وأعمق من الأخوة، وهي أسمى وأزكى أنواع التكافل والاندماج والتساند والتضامن. ومن البديهي أن (المؤاخاة) لا تلغي الأخوة بل تكملها ، كما أنهما معاً لا يلغيان حق التكافل الاجتماعي القائم بين أبناء الوطن، مسلمين أم غير مسلمين ، فلهم في مستوى التكافل الاجتماعي والتساند الوطني ما للمسلمين وعليهم ما عليهم.
الأخوة الإيمانية فى الإسلام:
ويلفت أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية إلى أن المجتمع الذي أقامه الرسول ـ عليه السلام ـ في دولة المدينة، هو مجتمع مواطنين متكافلين، ومجتمع الأخوة الإيمانية التي ترتفع درجة عن المواطنة، وتقوم بين عموم المسلمين، فالإسلام رحم بين أهله ، ثم هناك المستوى الأعظم وهو مستوى (المؤاخاة) بين المهاجرين والأنصار القائم على المثالية الكاملة التي لا يكاد يعرف التاريخ لها مثيلاً ، والمؤاخاة مستمرة في التاريخ دون توارث، كما أن المستويين الآخرين مستمرّان كذلك.
ويبين أن القدر المشترك بين هذه المستويات هو الألفة والمحبة والصفاء والود وإخلاص السريرة بين أفراد المجتمع، ولهذا أثره المحسوس في سرعة الامتزاج والاندماج بين الأفراد بعضهم بعضاً في مظهر الإخاء الكامل الذي توافرت له السمات البارزة في القضاء على الفوارق الاجتماعية، وإزالة الحواجز النفسية والموانع العصبية بين هؤلاء الناس جميعاً. ويستطرد عويس ان القاعدة التي وضعها النبي الكريم أساساً قام عليه هذا التضامن الجديد هي قوله : " مثل المسلمين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم ؛ مثل الجسد : إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى" ، وقوله الشريف : "المؤمنين تتكافأ" ، أي تتساوى "دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم، وهم يد على من سواهم". ويوضح أنه الفرد في هذا المجتمع الإسلامي الجديد كان ـ مسلماً أو غير مسلم ـ يسير بروح الجماعة، ويراعي مصلحتها، ويسعى إلى تحقيق أهدافها ، فكانت رغباته، وطموحاته تتطابق مع رغبات وطموحات تلك الجماعة الإسلامية؛ لأن هذا حق المواطنة .. فالوطن والحضارة والحياة المشتركة توجب هذا الولاء، وهذا هو المعنى العام للتضامن .
القوامة الإنسانية في الإسلام: وهذا النوع من التضامن يوجب على جميع القوى الإنسانية في ظل هذا المجتمع الإسلامي ألا تدخر جهداً أو أن تتوانى في سبيل المحافظة على مصالح الآحاد، أو أن تقعد عن حل مشكلاتهم، وهذا هو الأساس البنائي الذي أقامه الرسول في مجتمعه الإسلامي الكبير من خلال صحيفة الدستور التي تضمن حقوق غير المسلمين، ومن خلال (المؤاخاة) بين المسلمين. وقد ورد عن النبي في هذا المقام جملة من الأقوال والتوجيهات تأسس عليها مبدأ التكافل الاجتماعي منها قول: "أيما أهل عرصة "الحي والمكان" أصبح فيهم امرؤ جائع فقد برئت منهم ذمة الله تبارك وتعالى"، وفي حديث آخر : "من كان عنده فضل زاد فليعد به على من لا زاد له" ، وفي حديث ثالث عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ عن النبي "ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه".