قال عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، يوما لجلسائه: هل فيكم أحد وقع إليه خبر من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجاهلية، قبل ظهوره.
فقال طفيل بن يزيد الحارثي، وقد أتت عليه يومئذ مئة وستون سنة: نعم، يا أمير المؤمنين، كان المأمون بن معاوية الحارثي على ما بلغك من كهانته وعلمه وحكمته، وكانت عقاب لا تزال تأتيه بين الأنام، فتقع أمامه، فتصيح.
فيقول: كذا وكذا، فنجد كما يقول، وكان نصرانيا، وكان يخرج إلينا في كل يوم أحد، عليه برنس أسود، فيخطب، ويجتمع إليه الناس.
عقاب تخبره الأخبار:
فأقبلت العقاب يوم عروبة في أول النهار، فصرت، ثم نهضت، فلما تعالت الشمس، خرج علينا في ثياب بيض من ثياب مصر، يتوكأ على عصاه، فاجتمع إليه، فأسند العصا إلى صدره، وأطرق طويلا.
فقال بعض القوم: هل نمت؟ فقلت: كلا، قال: فرفع رأسه، فصعد بطرفه إلى السماء، ثم ضربه إلى الأرض، ثم رمى به شرقا وغربا، ثم قال: نهار يجول، وليل يزول، وشمس تجري، وقمر يسري، ونجوم تمور، وفلك يدور، وسحاب مكفهر وبحر مستطير، وجبال غبر، وأشجار خضر، وخلق تمور بعضه في بعض بين سماء وأرض، ووالد يتلف، وولد يخلف، ما خلق الله هذا باطلا، وإن ما ترون ثوابا، وعقابا، وحشرا، ونشرا، ووقوفا بين يدي الجبار.
اقرأ أيضا:
يتعامل النبي مع المخطئين بطريقة رائعة.. تعرف على جانب مضيء من دعوته بالرفق واللبينتبشيره بالنبي:
قال: قلنا: من الجبار؟ قال: الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد. قال: فنهض عظيم الأساقفة، فقال: أنشدك الله في النصرانية، فوالله، لئن تسامعت العرب لقولك لا يجتمع علينا منهم اثنان.
فقال: إليك عني، كيف أنت إذا ظهر العبد الأمين بخير دين، يا ليت أني ألحقه، وليتني لا أسبقه، إن فؤادي يصدقه.
قال: فقلت له، وكنت أقرب القوم له قرابة: يا أبا الكبشم – وكانت هذه كنيته- وأين مخرجه؟
فقال: في تهامة، قلت: ومتى يكون؟ قال: إذا جاء الحق لم يكن به حق، ثم أقبلت العقاب، فوقعت بين يديه، وصرت صريرا شديدا، وسمعناه يقول: قد فعلت، قد بلغت، ثم نهضت، فطارت، فلم يلبث أن مات، وضرب الدهر من ضرباته.
فأتانا خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وظهوره بتهامة، فقلت: يا نفس، هذا ذاك، ومضت الأيام إلى أن وفدت، فأسلمت .