كلنا نسمع عن عذاب القبر، وهو ما يستغله البعض لترديد المزاعم حوله، والتشكيك فيه من الأساس، فهل للقبر نعيم، أم عذاب فقط؟.
روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث ابن عمر - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي، إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار، فيقال: هذا مقعدك حتى يبعثك الله يوم القيامة".
فهذا الحديث يثبت أنه نعيم القبر كما يثبت عذابه، وأنه حق يجب الإيمان به والاستعداد له.
قال ابن كثير: هذه الأحوال الثلاثة هي أحوال الناس عند الاحتضار، إما أن يكون من المقربين، وإما أن يكون ممن دونهم من أصحاب اليمين، وإما أن يكون من المكذبين بالحق الضالين عن الهدى الجاهلين بأمر الله.
عذاب القبر
واستدل بعض العلماء على أن عذاب القبر حق يجب الإيمان به؛ بقوله تعالى عن آل فرعون: ﴿ النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ﴾ [غافر: 46].
وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ولقد أوحي إلي أنكم تفتنون في القبور مثل أو قريبًا من فتنة الدجال، يؤتى أحدكم فيقال له: ما علمك بهذا الرجل؟ فأما المؤمن أو الموقن لا أدري أي ذلك قالت أسماء فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءنا بالبينات والهدى، فأجبنا وآمنا واتبعنا، فيقال له: نم صالحًا فقد علمنا إن كنت لموقنًا، وأما المنافق أو المرتاب (لا أدري أيتهما قالت أسماء) فيقول: لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئا فقلته".
وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث عائشة رضي الله عنه، أن يهودية دخلت عليها فذكرت عذاب القبر، فقالت لها: أعاذك الله من عذاب القبر، فسألت عائشة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عذاب القبر، فقال: "نعم، عذاب القبر حق" قالت عائشة: فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد صلى صلاة، إلا تعوذ من عذاب القبر.
وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " العبد إذا وضع في قبره وذهب أصحابه حتى إنه ليسمع قرع نعالهم أتاه ملكان فيقعدانه فيقولان له: ما كنت تقول في هذا الرجل محمد صلى الله عليه وسلم؟ فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله فيقال: انظر إلى مقعدك من النار قد أبدلك الله به مقعدًا من الجنة، قال النبي صلى الله عليه وسلم فيراهما جميعًا، وأما الكافر أو المنافق فيقول: لا أدري كنت أقول كما يقول الناس، فيقال: لا دريت ولا تليت ثم يضرب بمطرقة من حديد ضربة بين أذنيه فيصيح صيحة يسمعها من يليه إلا الثقلين".
وروى مسلم لي صحيحه من حديث البراء بن عازب - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ﴿ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ ﴾ [إبراهيم: 27] قال: "نزلت في عذاب القبر، فيقال له: من ربك؟ فيقول: ربي الله ونبيي محمد - صلى الله عليه وسلم - فذلك قول الله - عز وجل -: ﴿ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ ﴾ [إبراهيم: 27].
وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أنس - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال: "يتبع الميت ثلاثة، فيرجع اثنان ويبقى واحد، يتبعه أهله، ومال، وعمله، فيرجع أهله وماله ويبقى عمله".
وجاء في مسند الإمام أحمد حديثًا فيه البشارة لكل مؤمن بأن روحه تكون في الجنة تسرح أيضًا فيها، وتأكل من ثمارها، وترى ما فيها من النضرة والسرور، وتشاهد ما أعده الله لها من الكرامة، وهو بإسناد صحيح عزيز عظيم، اجتمع فيه ثلاثة من الأئمة الأربعة أصحاب المذاهب المتبعة؛ فإن الإمام أحمد رحمه الله، رواه عن محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله، عن مالك بن أنس الأصبح يرحمه الله، عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، عن أبيه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنما نَسَمةُ الْمؤْمِنِ طَائِرٌ يَعْلق في شَجِر الجَنَّةِ، حتى يُرْجِعَهُ اللهُ إلَى جَسَدِهِ يَوْمَ يَبْعَثُهُ".