من المواقف العصيبة على الإنسان، أن يضطر للحكم بين متخاصمين كلاهما من أصدقائه، وبالرغم من أن حكم الله واحد وهو بالعدل في المؤمن والكافر، ولا فرق بين عربي على أعجمي إلا بالتقوى، إلا أن بعض الناس يتعرض لحرج حينما يحكم بين متخاصمين من أصدقائه، خوفًا من أن يفقد أحدهما حال لم يرتضي بحكمه.
لذلك فالحكم بين المتخاصمين يتطلب من الشخص المحكم أن يكون ذا نظرة ثاقبة وحنكة كبيرة، كما أن الحكم بين الآخرين يحتاج إلى حنكة وعدل وعزم على عدم الظلم، مع أهميّة وضع الصلح بين الخصمين في الاعتبار والسماع من الطرفين، حتى لا تتأثر بطرف على حساب طرف آخر.
ويأمر الله تعالى الإنسان أن يكون عدلاً في حكمه بين الناس، بأن يستمع إلى المتخاصمين قبل أن يحكم على أحدهما، وقد أصبح قاعدة فقهية وقضائية يحكم بها الناس ليوم القيامة لتحقيق العدالة.
ومن بين أبرز المواقف التي تستدعي السماع بين الطرفين، حل الخلافات بين الزوجين، وفي ذلك يقول الله تعالى في سورة النساء: "وإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا (35)".
اقرأ أيضا:
لسخط الله تعالى علامات.. تعرف عليهافقد أمر الله سبحانه وتعالى أن يكون هناك حكم من أهل الزوج وحكم من أهل الزوجة، حتى يكون هناك إنصاف في الحكم بين الزوجين.
وإذا أردت أن تحكم بالعدل فمن الأفضل أن تحرص على الحيادية قدر الإمكان ومن الأفضل أن تلتقي بالخصمين مع مواجهتهم كلّ واحد منهم مقابل الآخر حتى تسمع وحتى تحاول أن تكتشف الصادق منهم من الكاذب.
كما يجب أن تمتلك الفطنة الكافية التي تجعلك تستدل على الحقيقة من الكلمات وخصوصاً إذا كان كلام الخصمين متناقضين فأحدهما يكذّب الآخر فعندئذ لابد على القاضي من استخدام الحكمة والفطنة في اكتشاف الحقيقة بنفسه مع عدم الاعتماد على كلمات الخصوم المتناقضة.
لذا فمن الأفضل على الحاكم في أوّل الأمر أن يحاول الإصلاح من دون سماع للمشكلة فقد تكون الكلمات المؤثرة الهادئة هي سبباً في التصالح بينهما من دون مخاصمة وهذا هو الأفضل ولكن هناك البعض من الأشخاص الذين يتنازعون بدرجة كبيرة وعندئذ يتوجّب عليك إذا حكمت بينهم أن تقف بالعدل، وتستمع لكلا الطرفين.
وانظر حين جاء متخاصمين لنبي الله داود، وبدأ أحدها يقص المشكلة على نبي الله داود عليه السلام فقال له: إن هذا أخي، يمتلك ۹۹ نعجة، وأنا لا أملك إلاّ نعجة واحدة، وهو يُصِرُّ علي أن أُعطيَهُ نعجتي ليضُمها إلى بقية نعاجه، وقد شدد عليّ في القول وأغلظ.
فحكم نبي الله سيدنا داود عليه السلام للمدعي بأن أخوه قد ظلمه بطلبه أن يأخذ منه نعجته الواحدة ليضمها إلى نعاجه، وذلك دون أن يستمع إلى الخصم الثاني، لأن كثير من الخلطاء والشركاء يبغون على أصحابهم في العادة، واقتنع الطرفين بحكم نبي الله سيدنا داود وسلما له وغادرا المكان.
اقرأ أيضا:
"المسيح الدجال".. حقائق ومعلومات عن أعظم فتنة في الأرضوبعد أن انصرفا أعاد سيدنا داود التدبر في تلك المسألة والخصومة، وأنه كان لابد أن يستمع إلى الطرف والآخر ليكون تصوره عن المسألة كاملًا، ثم يحكم بينهما، فأدرك سيدنا داود تسرعه في الحكم فأناب إلى الله وخر ساجدًا مستغفرًا الله، وتدارك الحكم بينهما.
فهذه الأمور خذها بعين الاعتبار، وهي أن تستمع للخصمين جيدا، فالعدل من المهام الشاقة التي يجب فيها أن تتحرى الحقيقة، ولابد من الحرص على المساواة بين الخصمين، فلا فرق بين قريب منه أو بعيد عنه، ولا فرق بين غني وفقير فالحق لصاحبه كما هو واضح أمامه، مع الابتعاد تماماً عن النّظر إلى سلطة لأحد المتخاصمين أو نسب أو مال.
على القاضي أن يكون محايدًا إذا أردت أن تحكم بالعدل، فمن الأفضل أن تحرص على الحيادية قدر الإمكان ومن الأفضل أن تلتقي بالخصمين مع مواجهتهم كلّ واحد منهم مقابل الآخر حتى تسمع وحتى تحاول أن تكتشف الصادق منهم من الكاذب.
وعلى القاضي أن يحاول قدر الإمكان أن يمتلك الفطنة الكافية التي تجعله يستدل على الحقيقة من الكلمات وخصوصاً إذا كان كلام الخصمين متناقضين فأحدهما يكذّب الآخر فعندئذ لابد على القاضي من استخدام الحكمة والفطنة في اكتشاف الحقيقة بنفسه مع عدم الاعتماد على كلمات الخصوم المتناقضة.
ومن ضوابط الحكم بين الآخرين أنّ هناك نقد غير مقبول على القاضي أن لا يسمح لأحد المتخاصمين أن ينتقد الطرف الآخر ويقول إنّ هذا حقّ له،لأنّ النقد قد يتسبب في فساد الأخلاق، ولا تقبل بقضيّة على رجل عادل واضح إلا بعد إقامة الحجة على ظلمه.