وقعت رحلة الإسراء والمعراج تسلية لقلب النبي صلى الله عليه وسلم وتخفيفا عنه مما لحق به من أذى نفسي .. وحفلت الرحلات بالكثير من الأحدث الصحيحة التي لا مجال لإنكارها بل يقف المسلم أمامها مسلما ومتعظا مستفيدا بما جرى من أحداث وما رآه النبي صلى الله عليه وسلم من مشاهد.
المراد بالإسراء والمعراج؟
وبرغم ذيوع وشيوع أمر رحلتي الإسراء والمعراج فأقف وقفة لطيفة مع معنى هاتين الكلمتين فما المراد بالإسراء والمعراج؟ الإسراء هو إذهاب الله نبيه محمدًا صلّى الله عليه وسلّم من المسجد الحرام بمكة إلى المسجد الأقصى بإيلياء- مدينة القدس- في جزء من الليل، ثم رجوعه من ليلته، أما المعراج فهو إصعاده صلّى الله عليه وسلّم من بيت المقدس إلى السموات السبع، وما فوق السبع، حيث فرضت الصلوات الخمس، ثم رجوعه إلى بيت المقدس في جزء من الليل.
في وقت وقعت رحلتا الإسراء والمعراج:
من الأمور التي دار حولها خلاف بين العلماء تحديد وقت حدوث رحلة الإسراء والمعراج على وجه التحديد والذي عليه الأكثرون والمحققون من العلماء أنهما كانا في شهر ربيع الأول، وقيل في ربيع الآخر، وقيل في رجب، وهو المشهور بين الناس اليوم، والذي تركن إليه النفس بعد البحث والتأمل أنهما كانا في شهر ربيع الأول في ليلة الثاني عشر منه أو السابع عشر منه والراجح أنها وقعت قبل الهجرة في السنة العاشرة من بعثته أو بعدها، أسري به صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ثم عرج به إلى السماوات العلى، ثم عاد إلى بيته في مكة تلك الليلة، وأخبر قريشًا بأمر المعجزة، فهزئت وسخرت، وصدقه أبوبكر وأقوياء الإيمان ، وقد ذكر ابن كثير في «البداية والنهاية» أثرًا عن جابر وابن عباس- رضي الله عنهما- يشهد لذلك، قالا:« ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول. وفيه بعث، وفيه عرج به إلى السماء، وفيه هاجر، وفيه مات» .
رحلة الإسراء.. كيف بدأت؟
بتتبع ما جاء في شأن رحلة الإسراء والرحلة وهي الأرضية نجد أن ظاهر الآية يفيد أن الإسراء كان من المسجد الحرام، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ، رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " بَيْنَمَا أَنَا عِنْدَ البَيْتِ بَيْنَ النَّائِمِ وَاليَقْظَانِ، إِذْ سَمِعْتُ قَائِلًا يَقُولُ: أَحَدٌ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ، فَأُتِيتُ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ فِيهَا مَاءُ زَمْزَمَ، فَشَرَحَ صَدْرِي إِلَى كَذَا وَكَذَا - قَالَ قَتَادَةُ: قُلْتُ لِأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: مَا يَعْنِي؟ - قَالَ: إِلَى أَسْفَلِ بَطْنِي، فَاسْتُخْرِجَ قَلْبِي، فَغُسِلَ قَلْبِي بِمَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ أُعِيدَ مَكَانَهُ، ثُمَّ حُشِيَ إِيمَانًا وَحِكْمَةً" ، وقيل أسرى به من بيت أم هانئ بنت أبى طالب، فيكون المراد بالمسجد الحرام: الحرم لإحاطته بالمسجد والتباسه به. فعن ابن عباس- رضى الله عنهما-: الحرم كله مسجد، ويمكن الجمع بين هذه الروايات، بأن الرسول صلّى الله عليه وسلم بقي في بيت أم هانئ لفترة من الليل، ثم ترك فراشه عندها وذهب إلى المسجد، فلما كان في الحجر أو في الحطيم بين النائم واليقظان، أسرى به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ثم عرج به إلى السموات العلا. ثم عاد إلى فراشه قبل أن يبرد- كما جاء في بعض الروايات. وبذلك يترجح لدينا أن وجود الرسول صلّى الله عليه وسلم في تلك الليلة في بيت أم هانئ، لا ينفى أن الإسراء بدأ من المسجد الحرام، كما تقرر الآية الكريمة .