الإسراء والمعراج رحلتان عظيمتان وقعتا لنبي صلى الله عليه وسلم، وهما معجزتان جليلتان حيرتا العقول لكنهما ثابتتان بالقرآن والسنة ولا مجال للطعن في وقوعهما.
عام الحزن:
ولقد كان لوقوع هذه الرحلة المباركة أسباب دعت إليها منه تسلية قلب النبي صلى الله عليه وسلم بعدما زاد إيذاء المشركين له خاصة بعد موت أبي طالب عم الرسول ، الذي كان شديد الدفاع عن ابن أخيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت قريش لا تستطيع أن تنال النبي بأذى في نفسه طيلة حياة أبي طالب احترامًا له وهيبة، فلما مات أبو طالب جرؤت قريش على تشديد الأذى للنبي صلى الله عليه وسلم؛ ولذلك كانت وفاته مبعث حزن عميق للنبي صلى الله عليه وسلم.
وقعت رحلة الإسراء والمعراج تسرية لقلب النبي صلى اله عليه وسلم بعدما مات زوجته وحبيبته خديجة رضي الله عنها في تلك السنة نفسها، وقد كانت خديجة تخفف عن الرسول همومه وأحزانه لما يلقاه من عداء قريش، فلما ماتت حزن عليها حزنًا شديدًا، وسمي ذلك العام الذي مات فيه عمه أبو طالب وزوجه خديجة «عام الحزن».
الرسول يتوجه إلى الطائف:
وبعد موتهما عم النبي وزوجته اشتد إيذاء المشركين له فتوجه إلى الطائف لعله يجد في ثقيف حسن الإصغاء لدعوته والانتصار لها، ولكنهم ردوه ردًا غير جميل، وأغروا به صبيانهم فقذفوه بالحجارة حتى سال الدم من قدميه الطاهرتين، ثم التجأ إلى بستان من بساتين الطائف، وتوجه إلى الله بهذا الدعاء الخاشع، بعدها عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الطائف دون أن تستجيب ثقيف لدعوته، اللهم إلا ما كان من إسلام «عدَّاس» غلام عتبة وشيبة ابني ربيعة، وكان غلامًا نصرانيًا، طلب منه سيداه أن يقدم قطفًا من العنب إلى الرسول وهو في البستان لما رأيا من إعيائه وتهجم ثقيف عليه، فلما قدم عدَّاس العنب للرسول صلى الله عليه وسلم أخذ الرسول يبدأ في أكله قائلًا: بسم الله، فلفت ذلك نظر عداس؛ إذ لا يوجد في القوم من يقول مثل هذا. وبعد حديث بين عداس والنبي أسلم عدَّاس.
وفي هذه الظروف العصيبة جاءت حادثة الإسراء والمعراج، للإشارة إلى أنه إن فاتته صلى الله عليه وسلم حماية العم فإنه محاط بحماية الرب عز وجل، ولئن فاتته مؤانسة الزوج فإنه مشمول بمؤانسة الملأ الأعلى، ولئن أحاط به تكذيب أهل مكة وأذاهم فإنه مصدق من أهل السماء، مكرم فيهم غاية التكريم؛ فجاءت حادثة الإسراء كبلسم للجراح، وكشحنة إلهية من الصبر والقوة للنبي- صلى الله عليه وسلم.