يسأل أحدهم، وهو يبدو عليه الحيرة من أمره: لو لم يصل نور الله للعصاة.. فكيف تُمحى الذنوب؟.
نور الله عز وجل واضح بيّن، لا يمكن أن تخطئه عين على الإطلاق، وهنا التمييز بين من يتفاعل مع هذا النور، وبين من يتجنبه والعياذ بالله، فمن تفاعل معه، وصل ولا يمكن له أن يضل على الإطلاق، بينما من تجنبه ضل وإن ظن أنه يعيش في سعة من العيش، لأن الفقر سيكون دائمًا ظاهرًا بين عينيه، وهو فقر الحاجة إلى نور الله، وضنك الروح من البعد عن طريق الله عز وجل، فالغنى الحقيقي، غنى النفس.
والفقر الحقيقي في السير خلاف العقل والمنطق، لأن الله عز وجل خلق ملايين الدلائل التي تؤكد وحدانيته وتفرده سبحانه بالخلق، لكن من عمي بصره وقلبه، عاش ضريرًا وإن كانت له ألف عين.
النور الحقيقي
النور الحقيقي، هو نور الله عز وجل، ذلك النور الذي يلامس القلوب، فتسير خلفه، لتصل إلى اليقين به فتنجو، فهذه القلوب إنما بالأساس كانت خالية من أمراض الدنيا من حقد وغل وحسد، فلاشك كلما قلت هذه الأمراض بالقلب كلما استطاع أن يرى نور الله ظاهرًا واضحًا كوضوح الشمس، ومن ثم على كل مسلم أن ينقي قلبه من أي آثام، وحينها دون تعب أو كد سيرى ما لا يراه غيره، سيرى طريق الله أمامه مفروشًا بالورود.
قال تعالى: «اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ » (النور: 35).
يقول ابن عباس رضي الله عنهما: «هو المؤمن الذي جعل الإيمان والقرآن في صدره، فضرب الله مثله فبدأ بنوره جل وعلا، ثم ذكر نور المؤمن وشبهه بالمصباح من الزجاج الشفاف الجوهري، وما يستهديه من القرآن والشرع بالزيت الصافي المشرق الذي لا كدر فيه».
اتباع النور
على المسلم أن يتبع نور الله، وهو القرآن، وكل ما جاء به، فكلما زاد في قلبه القرآن ومعانيه، تفتحت أمامه طرق نور الله عز وجل، وكلما تعمق في القرآن كلما رأى ما لا يمكن أن يراه غيره.
قال سبحانه وتعالى: « الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ » (إبراهيم:1)، لكن من يعيش في ظلمات الكفر والشرك والجهل والمعاصي فهو في واقع حاله ميت.
يقول الله عز وجل: « أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا » (الأنعام:122).