لو ظللنا نتحدث عن رحمات الله عز وجل لاستغرقنا سنوات وسنوات نتحدث عنها دون الوصول إلى نهاية لها، أو معان محددة، فهي كالنسيم لا يمكن لها أن تنتهي أبدًا، وكأمواج البحر لا يمكن لها أن تتوقف يومًا، وكشعاع الشمس، لن يمتنع عن الأرض يومًا.
ومن رحمة الله بعباده إرسال الرسل وإنزال الكتب والشرائع لتستقيم حياتهم على سنن الرشاد بعيدًا عن الضنك والعسر والضيق، قال تعالى : « وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ » (الأنبياء / 107).
لكن في المقابل أين رحماتنا نحن فيما بيننا؟.. فعن سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: «جعل الله الرحمة في مائة جزء، فأمسك عنده تسعة وتسعين جزءاً، وأنزل في الأرض جزءاً واحداً، فمن ذلك الجزء يتراحم الخلق حتى ترفع الفرس حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه».
الله أرحم بعباده من الأم بولدها
فرحمات الله عز وجل علينا لا يمكن وصفها، لكن يجب اليقين فيها، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال : «قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبي ، فإذا امرأة من السبي تبتغي ، إذا وجدت صبيا في السبي ، أخذته فألصقته ببطنها وأرضعته ، فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : أترون هذه المرأة طارحة ولدها في النار ؟ ، قلنا : لا ، والله ! وهي تقدر على أن لا تطرحه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لله أرحم بعباده من هذه بولدها»
ولولا رحمته تعالى لما دخل أحد من عباده الجنة يوم القيامة، قال صلى الله عليه وسلم : « لن يُدخل أحداً عمله الجنة »، قالوا : ولا أنت يا رسول الله ؟ قال : « لا ، ولا أنا ، إلا أن يتغمدني الله بفضل ورحمة ، فسددوا وقاربوا ، ولا يتمنين أحدكم الموت ، : إما محسناً فلعله أن يزداد خيراً ، وإما مسيئاً فلعله أن يستعتب».
اقرأ أيضا:
كيف تستعد ارمضان من الآن؟.. تعرف على أهم الطرق والوسائلالتراحم بين الناس
في مقابل ذلك، أين رحماتنا نحن؟، وهل ندري أن التراحم بين الخلق يعني نشر الرحمة بينهم، ويعني التآزر والتعاطف والتعاون، وبذل الخير والمعروف والإحسان لمن هو في حاجة إليه، وإذا كنا نعلم ذلك، فهل بالفعل نطبق هذا الأمر فيما بيننا؟.. فقد كان الصحابة الكرام الذين رباهم النبي صلى الله عليه وسلم، وغرس خلق الرحمة في قلوبهم، خير مثال في التراحم والتعاطف والتآزر والمحبة والمودة، قال سبحانه: « وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ»، فكيف بنا نعرف سير هؤلاء ولا نسير على خطاهم، وقد قال نبينا الأكرم صلى الله عليه وسلم فيهم: «أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم».