حينما تنطق كلمة المطففين ينصرف العقل بشكل سريع لهؤلاء الذين يطففون المكيال والميزان وهذا صحيح فقد نزال في حقهم قرآن يتلى إلى يوم الدين... لكن السؤال هل المطففون فقط هم أولئك الذين يخسرون المكيال والميزان والذين توعدهم الله تعالى بالويل في قوله: (ويلٌ للمطفِّفين • الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون • وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون)؟
إن الإجابة عن هذا السؤال لتقضي الاطلاع على التفاسير والبحث فيما علق على أقوال المفسرين من العلماء الثقات، كذا فهم التطفيف في سياقه اللغوي.. وبهذا يعلم معناه والمراد منه.
معنى التطفيف:
والتطفيف كلمة مشتقة من الشيء الطفيف الذي لا يهتم به الناس لقلته، يعني مثلا ينقص البائع خمسين جرامًا فقط من عدة كيلو جرامات فهذا شيء بسيط وقليل، لكن الله توعده بـــسورة خاصة في القرآن! قال المفسرون أن ويل هو اسم للوادي الذي يسيل من صديد أهل جهنم ويوجد في أسفلها عياذًا بالله.
من هم المطففون؟
وقد ذكر الله صفات أولئك المطففين حين قال: (الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون. وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون) يعني الذين يأخذون حقَّهم من الناس كاملاً، وإذا حصل العكس، ينقِصوا أو يُخسِئون حق غيرهم؛ فالآية إذًا لا تنطبق على البائعين فقط، بل إن معناها أشمل وأعم بكثير! فالمطفف إذًا كل من يأخذ ما ليس بحقه كاملا ففي حين يطالب بما له لا يقوم بما عليه وبهذا فالمعنى يكون شاملا وأعم من موضوع الميزان فهي تنطبق على كثير من أصحاب المهن والحرف فتشمل -مثلاً- مدرس في نهاية كل شهر، يأخذ مرتَّبه كاملاً، وفي الوقت ذاته، يهمل الطلاب ولا يراعي ضميره في الشرح ولا يهتم إلا بأصحاب الدروس الخصوصية.
أمثلة على المطففين في العصر الحديث:
ومما سبق يتضح أن المطفف ليس فقط من يطفف ميزان البيع والشراء بل من يطفف ميزان الحياة في جميع معاملاته قياسا على المطفف في المكيال والميزان؛ فالطبيب الذي يأخذ حقه المادي والحوافز ويترك الفقراء في المستشفى وقت الدوام ويذهب لعيادته الخاصة ليرعى ويهتم بمن يدفعون له، فالمطفف شخص يريد من كل أقاربه أن يهتمّوا به ويسألون عنه، وهو في المقابل قاطع لرحمه، المطفف هو مسئول التموين الثرى الذى يصرف الغث من البضائع للجمهور ويحتفظ بالجيد لمن له مصالح ومنافع معهم، فالمطفف هو ذلك الموظف الذى يعطل مصالح الناس ومقدراتهم ولا يأبه لهم وفى المقابل يوصل الحقوق لأصحاب الوسائط في بيوتهم لمنافع تسدى له؛ فالمطفف الزوج الذي يعيش عاله على زوجته يريد كل حقوقه وينسي كل واجباته يترك تربية الأبناء لها يتلصص على ممتلكاتها الشخصية ويحاول استنزافها ماديا ومعنويا وبدنيا.
المطفف:
هو كل صاحب عمل يعطى الفرص والحوافز لأشخاص بعينهم ويحرم منها عموم العاملين لأغراض في نفسه، وهو الكفيل الذى يأخذ من مكفوله أكثر من حقه ويبخسه راتبه أو يمنعه إياه، وهو أستاذ الجامعة والقاضي ومدير المؤسسة الذى يعين ابنه في مجال عمله ويحرم منها من هو أكفأ منه، والآية تجعل كل ذي عقل يفكر، إن معناها الجامع يشمل أدق جوانب حياتنا، هل كلنا يراعي لضميره في عمله؟ في حياته؟ في علاقاته الاجتماعية ؟ أو حتى في علاقاته المادية ؟