البحث في سيرة الصحابة الكرام، تجد كأنك تقف على جبل من الذهب، أينما تذهب يشع المكان نور، وتصاميم لا تقدر بثمن، ولمّ لا، وهم قد كانوا من هو الأكثر كرمًا، ومنهم الذي اشتهر بالصدق، ومن اشتهر بالقوة والفتوة، ومنهم من اشتهر بالإقدام في سبيل الله.. ومنهم من كان قاطعًا بين الحق والباطل، ومنهم الحكيم، ومنهم أيضًا المستجاب الدعوة.


وللوقوف على الصحابي الجليل مستجاب الدعوة، علينا أن نعي جيدًا أنها صفة يصعب تكرارها، فيكفي أنه يرفع يده للسماء، فيجاب من فوره، فكيف ذلك، ومن هو هذا الصحابي الجليل؟.. فهو أحد العشرة المبشرين بالجنة، وأحد السابقين الأولين، وأحد من شهد بدراً، والحديبية، وأحد الستة أهل الشورى الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو عنهم راضٍ.

سعد بن أبي وقاص

هذا الصحابي الجليل هو سيدنا سعد بن أبي وقاص، والذي كان يتميز بعدد كبير جدًا من الصفات الجليلة، والتي كان من بينها أنه كان مستجاب الدعوة، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال فيه: «اللهم سدد رميته وأجب دعوته».

فقد روى الحاكم في المستدرك بسنده عن عائشة بنت سعد عن أبيها سعد ابن أبي وقاص رضي الله عنه قال: «لما جال الناس عن رسول الله تلك الجولة يوم أحد تنحيت فقلت: أذود عن نفسي، فإما أن استشهد وإما أن أنجو حتى ألقى رسول الله، فبينا أنا كذلك إذا برجل مخمر وجهه ما أدري من هو فأقبل المشركون حتى قلت: قد ركبوه، ملأ يده من الحصى ثم رمى به في وجوههم فنكبوا على أعقابهم القهقرى حتى يأتوا الجبل، ففعل ذلك مراراً ولا أدري من هو وبيني وبينه المقداد بن الأسود، فبينا أنا أريد أن أسال المقداد عنه إذ قال المقداد: يا سعد هذا رسول الله يدعوك فقلت: وأين هو؟ فأشار لي المقداد إليه، فقمت ولكأنه لم يصبني شيء من الأذى فقال رسول الله : أين كنت اليوم يا سعد؟ فقلت: حيث رأيت رسول الله فأجلسني أمامه فجعلت أرمي وأقول: اللهم سهمك فارم به عدوك ورسول الله يقول: اللهم استجب لسعد، اللهم سدِّد لسعد رميته، إيها سعد فداك أبي وأمي».

اقرأ أيضا:

أبو بكر "قلب الأمة الأكبر" بعد النبي و" أمير الشاكرين"

أقوى سهم

واشتهر سيدنا سعد بأنه صاحب أقوى سهم، حيث رمى يوم أحد ألف سهم، وهكذا عُرف رضي الله عنه بين إخوانه وأصحابه بأن دعوته كالسيف القاطع، وعرف هو ذلك نفسه، فلم يكن يدعو على أحد إلا مفوضا إلى الله أمره.

ومن شواهد استجابة الله تعالى لدعوة سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، ما رواه الذهبي بسنده عن قبيصة بن جابر قال: قال ابن عم لنا يوم القادسية: «ألم تر أن الله أنزل نصره، وسعد بباب القادسية معصم، فأبنا وقد آمت نساء كثيرة، ونسوة سعد ليس فيهن أيم، فلما بلغ سعداً قال: اللهم اقطع عني لسانه ويده، فجاءت نشابة أصابت فاه، فخرس، ثم قطعت يده في القتال، وكان في جسد سعد قروح، فأخبر الناس بعذره عن القتال».