هناك من الناس من يمارس الانتهازية بامتياز، حينما يستره الله ولا يفضح معصيته، ثم يأمر ربنا عز وجل الناس أن يستره، فلا يجرؤ مسلم أن يخوض في عرض أخيه، وإلا استحق عقاب الله، فضلاً عن ذم الإسلام لسلوكه، حيث يعتبر الخوض في عرض المسلم جريمة، إلا ان الأشد جرمًا أن تجد بعض الناس ممن ينتهزون هذا الحرم الذي وضعهم ربنا عز وجل فيه، حينما حرم أعراضهم على ألسنة الناس، ينتهزون الفرصة وينتهزون هذا الحرم الذي جعله الله لأعراضهم، ويرتعون في حدائق المعصية، ظنًا منهم أنه لن يجرؤ أحد على محاسبتهم، فيشنرون فسادهم وإفسادهم، ويتباهون بمعصيتهم.
فالكثير من العصاة يتسترون وراء الشرع الذي حرم الخوض في أراضهم، ولكنهم لا يستترون من معصيتهم، وفرق شاسع بين من يستر عورته ويتستر خلف عورته.
ما هو الفرق؟
إذا كنت تعرف أن الإسلام حرم على الشباب النظر لعورة ابنتك وأمر الله عز وجل أن نغض أبصارنا عن النساء، فهل هذا يعني أن تترك ابنتك تمضي عارية في الطرقات، منتهزا هذا الحرم الذي وضعه الله لصون أبنتك ونسائك، وهل هذا يعني أن تترك ابنتك تمشي في الشارع بالملابس التي تكشف أكثر مما تستر، ثم تطلب من الشباب أن يغضوا أبصارهم، فهل هذا يليق بك كمسلم.
فهناك من النساء التي تعرف أن الإسلام حرم النظر لعورتها وأمر الرجال بغض البصر عنها، ومع ذلك ىتنظر إليها وهي عارية في الطريق وكأنها تريد ان تستفز الرجالن وتقول لهم: " من يستطيع ان يقترب مني؟"، فهذا ليس سترا ولكنه تسترا وانتهاكا لحرمات الله.
وهناك أيضا من يعرف أن الزنا حرام ويعرف أن الشرع حرم الخوض في أعاض المسلمات، فينتهز هذا الحصن المنيع الذي حصنه به الشرع الحنيف، ليزني علنا أمام الناس، بل ينشر فساده وإفساده ويتباهى ليل نهار بما يفعل مع النساءأو او ما تفعل النساء مع الرجال.
فكما ذكرنا فرق شاسع بين الستر والتستر، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إن الله حيي يحب الستر "(رواهُ أبو داودَ والنَّسائيُّ)، وقال عليه الصلاةُ والسلامُ: "وَمَن سَتَرَ مُسلِمًا في الدُّنيا سَتَرَهُ اللهُ في الدُّنيا والآخرةِ"(رواهُ مسلمٌ).
ولأَجلِ السَّترِ شرَعَ الإسلامُ حَدَّ القَذفِ؛ حَتَّى لا تَكُونَ الأَعراضُ كَلأً مُباحًا يَتَنَاوَلُهَا مَن شَاءَ بما شاءَ دُونَ حَيَاءٍ، ولأَجلِ السَّترِ أَمَرَ الشَّارعُ في إثباتِ حَدِّ الزِّنا بِأَربعةِ شُهودٍ؛ حِمَايةً لِلأَعراضِ وَصَونًا لِلمَحارِمِ، ولأَجلِ السَّترِ تَوَعَّدَ الجَبَّارُ أَهلَ السُّوءِ الَّذينَ يُحِبُّونَ إِشاعَةَ الفاحشةِ بالعذابِ الأليمِ فقالَ سُبحانَهُ: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الفَاحِشَةُ في الَّذِينَ آمَنُوا لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ في الدُّنيَا وَالآَخِرَةِ)[النور:19].
اقرأ أيضا:
لا تدع الإيمان ينقص في قلبك وجدده بهذه الطريقةمن هم أهل الستر؟
إِنَّ أَحَقَّ النَّاسِ بِالسَّترِ وَكَتمِ العَيبِ هُم ذَوُو الهَيئَاتِ وَأَهلُ المُرُوءَةِ، الَّذِينَ لَيسَ مِن عَادتِهِم المُجاهَرَةُ بِالمَعَاصي، وَلَيسُوا مِنَ المُسَوِّقِينَ لِلمُنكراتِ؛ فَالسَّترُ عَلَى هَؤُلاءِ يأتي في الصَّفِّ الأَوَّلِ وَالمَقَامِ الأَكمَلِ، قال -صلى اللهُ عليه وسلم-: "أَقِيلُوا ذَوِي الهَيئَاتِ عَثَرَاتِهِم إِلاَّ الحُدُودَ".
فإِذا كَانَ الشرع يأمر بالستر، وَعَدَمِ تَتَبُّعِ عَورَاتِ الناس، فمن باب أولى أن يخفي الإنسان عَيبَهُ وَيُخفِيَ سَيِّئَاتِهِ، لا أَن يُفاخِرَ بِالذَّنبِ أَو يُباهِيَ بِالخَطِيئَةِ، أَو يُسَمِّعَ العِبَادَ بِالذُّنوبِ الخَفِيَّاتِ وَيُجَاهِرَ بِخَطَايَا الخَلَوَاتِ.
قَال -صلى اللهُ عليه وسلَّم-: "كُلُّ أُمَّتي مُعَافى إِلاَّ المُجاهِرُونَ، وَإِنَّ مِنَ المُجاهرَةِ أَن يَعمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيلِ عَمَلاً، ثم يُصبِحُ وَقَد سَتَرَهُ الله، فَيَقُولُ: يَا فُلانُ، عَمِلتُ البَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا، وَقَد بَاتَ يَستُرُهُ رَبُّهُ، وَيُصبِحُ يَكشِفُ سِترَ اللهِ عَلَيهِ"(رَوَاهُ البُخارِيُّ).
وَقَالَ النَّبيُّ -صلى اللهُ عليه وسلم-: "يُدْنَى المُؤمِنُ يَومَ القِيَامَةِ مِن رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ حَتَّى يَضَعَ عَلَيهِ كَنَفَهُ، فَيُقَرِّرُهُ بِذُنُوبِهِ، فَيَقُولُ: هَل تَعرِفُ؟! فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ أَعرِفُ. قَالَ: فَإِنِّي قَد سَتَرتُهَا عَلَيكَ في الدُّنيَا وَإِنِّي أَغفِرُهَا لَكَ اليَومَ. فَيُعطَى صَحِيفَةَ حَسَنَاتِهِ"(رَواهُ البُخاريُّ ومُسلمٌ).