تتطلّع نفوس المؤمنين إلى الفوز والسعادة والنجاة يوم القيامة، ذلك اليوم العظيم الذي لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. وقد جعل الله سبحانه وتعالى الفوز في الآخرة غايةً كبرى وهدفًا نبيلًا يسعى إليه أصحاب الإيمان والعمل، فقال تعالى:
﴿فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ﴾ [آل عمران: 185].
وهذا الفوز العظيم لا يتحقق بالتمنى أو الادعاء، وإنما يحتاج إلى عمل واستقامة وإخلاص، ومن رحمة الله أنه بيّن لنا طريق النجاة وأسباب الفوز بوضوح في كتابه وسنة نبيّه صلى الله عليه وسلم.
أولًا: الإيمان الصادق بالله ورسله
الإيمان هو الأساس الأول لطريق النجاة، فلا فوز بلا يقين ولا أمان بلا عقيدة صافية. قال تعالى:
﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ﴾ [يونس: 63-64].
والإيمان المطلوب ليس مجرد كلمة تُقال، بل هو اعتقادٌ بالقلب، وقولٌ باللسان، وعملٌ بالجوارح يصدّق بعضه بعضًا.
ثانيًا: التقوى والعمل الصالح
التقوى هي زاد المؤمن إلى الجنة، وهي فعل الأوامر وترك المعاصي خوفًا من الله ورجاءً في رحمته. قال تعالى: ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ﴾ [الدخان: 51].
والعمل الصالح يشمل الصلاة والزكاة والصدق والأمانة والإحسان، ومعاملة الناس بالخير، وهو الطريق الأقصر إلى مرضاة الله.
ثالثًا: الإخلاص في العبادة
لن يقبل الله عملًا خالطه رياء أو سمعة، فالإخلاص روح العبادة وسر قبول العمل. قال تعالى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ [البينة: 5].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات".
رابعًا: التوبة والاستغفار
جعل الله باب التوبة مفتوحًا فلا يقنط العاصي ولا ييأس المذنب، بل يعود إلى ربه ويستغفره. قال تعالى: ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [النور: 31].
والفلاح هنا هو الفوز في الدنيا والآخرة معًا.
خامسًا: الصبر والثبات على الطريق
طريق الجنة ليس مفروشًا بالورود، بل يحتاج إلى صبر على الطاعة، وصبر عن المعصية، وصبر على الابتلاء. قال تعالى:﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ [الزمر: 10].
سادسًا: حسن الخلق
الأخلاق الحسنة باب عظيم من أبواب الفوز يوم القيامة. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسًا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقًا".
فالأخلاق ليست ترفًا، بل هي من صميم دين الإسلام وطريق النجاة.
سابعًا: العمل لنفع الناس
جعل الإسلام قضاء حوائج الخلق والرحمة بالمحتاجين طريقًا إلى الجنة. قال صلى الله عليه وسلم: "أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس".
وقال أيضًا:"الراحمون يرحمهم الرحمن".
ثامنًا: الدعاء والثقة بالله
قال تعالى: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ [غافر: 60].
والدعاء دليل التعلق بالله والاستعانة به، وهو سبب من أسباب الفوز والنجاة.
الفوز في الآخرة ليس حلمًا بعيدًا، بل هو وعد من الله لمن التزم بالطاعة وسار على نهج الإيمان. إن طريق الجنة واضح معبّدٌ بالعمل والإخلاص والصبر، ومن سار على الدرب وصل بإذن الله. فلنعمل لذلك اليوم الذي لا ينفع فيه مال ولا جاه، ولنجعل الفوز بالجنة هدف حياتنا، فما الدنيا إلا مزرعة للآخرة.
> ﴿فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ﴾ [البقرة: 148]
﴿وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾ [الأعلى: 17]