يقول الله تعالى في كتابه الكريم: «وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ * فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ » (الذاريات: 22، 23)، ويقول النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم أيضًا: «لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصاً وتروح بطانًا»، فهل يستوجب هنا خروج الطير للعمل من أجل الرزق، أم أن الله يسوق لعبده رزقه حتى قدميه؟.
الله تعالى خلق الخلق وأحصاهم عددًا، وقسم أرزاقهم وأقواتهم، فلم ينس منهم أحدًا، حيث رزق الطير في الهواء، ورزق الحوت في الماء، ورزق الحية في العراء، ورزق الوحوش في الصحراء، ورزق الدود في الصخرة الصماء، ورزق النملة الصغيرة السوداء « وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ».
حقيقة الرزق
ويروى أنه اختلف الإمامان الجليلان الإمام مالك والإمام الشافعي رحمهما الله، فقال الأول إن الرزق بلا سبب بل لمجرد التوكل الصحيح على الله يرزق الإنسان مستندا للحديث الشريف (لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا و تروح بطانا).
بينما خالفه الشافعي في ذلك، فيقول لولا غدوها ورواحها ما رُزقت أي أنه لا بد من السعي وبذل السبب.. وبعد أيام وجد رجلاً عجوزًا يحمل كيسًا من البلح وهو ثقيل عليه، فحمله عنه ولما أوصله إلى منزله، أعطاه الرجل بضع تمرات لحسن صنيعه معه، فما كان من الإمام الشافعي إلا أن ذهب إلى أستاذه الإمام مالك ومعه التمرات ووضعها بين يديه وحكى له ما جرى، كأنه يؤكد له وجهة نظره، من أنه لابد للعمل مقابل الرزق، وهنا ابتسم الإمام مالك، وأخذ تمرة ووضعها في فيه و قال له: (وأنت سقت إلى رزقي دونما تعب مني).
اقرأ أيضا:
أخي العاصي لا تمل وتيأس مهما بلغت ذنوبك وادخل إلى الله من هذا الباب.. التوبةالاخذ بالأسباب
لم يخطئ الإمامان الجليلان، فالله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر، لكن على المرء أن يخرج لطلب الرزق، توكلاً على الله ويقينًا في أنه لن يتخلى عنه أبدًا، ليس هذا فحسب، وإنما للحصول على بركة هذا الرزق، من خلال الكد والتعب الحقيقي.
فقد استنبطا من نفس الحديث حكمين مختلفين تمامًا وهذا من سعة رحمة الله بالناس.. والخلاصة هنالك أرزاق بلا سبب فضلا من الله و نعمة.. وهنالك أرزاق بأسباب لابد من بذلها، والأمر كله بيد الله قولا واحد، قال تعالى يؤكد ذلك: «إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا» (الإسراء 30).