حب الأذى يتحول في بعض الأوقات عن كثير من الناس، إلى لذة يسعى إليها، سواء كانت بداعي السخرية، والضحك، أو بدافع الشر والكراهية، فتجد بعض البلهاء ينفقون أموالا ليست بالقليلة، لكي يرهب شخصًا مامن أجل إثارة ضحك الغير عليه.
مثل هذا لا يعبأ بما يقوله الله تعالى في سورة الحجرات: " ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [الحجرات: 11].
وهناك من يمشي بالنميمة والغيبة، ويسعى للوقيعة بين الناس، وهو أفضل ماتم تجسيده في شخصية "أبو الخير" التي قام بتجسيدها الفنان الراحل توفيق الدقن في أحد الأفلام، حينما قام بدور شخص منافق يسمى "أستاذ أبو الخير"، يعمل في إحدى المصالح الحكومية، وهو لا يعرف عن الخير شيئا، ولا يرى الناس منه إلا الشر.
والبعض الأخر يحب أذى الناس والإضرار بهم، حسدًا وغيرة منهم، فقد يلجأ لتقديم الكثير من الشكاوى الكيدية في جيرانه، لمجرد إيذائهم تحت أي مبرر، وقد تذهب لمسئول أو موظف، فيقوم بتعطيل مصالحك، والعمل على إيذائك متعمدًا، من أجل ابتزازك وأخذ ما في جيبك.
وهناك من يقوم بتلفيق الاتهامات لك دون أي داع، لمجرد أنه يريد الإضرار بك، ويضيع مستقبلك، بل أن هناك من يتجرأ ويضع لك ما يثبت عليك الجريمة، وهذه كلها أنواع بائسة من إيذاء الناس التي تجعل صاحبها مفلسًا يوم القيامة.
اقرأ أيضا:
من أراد راحة البال وطمأنينة القلب فليتعامل مع الله بهذه الطريقة الرائعةمن هو المفلس؟
كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه ويبين لهم الحقائق، ويصحح لهم المفاهيم، ويلفت انتباههم إلى ما غاب عنهم أو التبس عليهم، وكثيرا ما كان يكشف لهم الفارق بين قوانين الدنيا وقوانين الآخرة، وبين موازين الله وموازين العباد.
جلس النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم فسأل اصحابه : "أتدرون ما المفلِسُ؟ قالوا: المفلِسُ فينا من لا درهمَ له ولا متاعَ. فقال صلى الله عليه وسلم: إنَّ المفلسَ من أمَّتي، يأتي يومَ القيامةِ بصلاةٍ وصيامٍ وزكاةٍ، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مالَ هذا، وسفك دمَ هذا، وضرب هذا. فيُعطَى هذا من حسناتِه وهذا من حسناتِه. فإن فَنِيَتْ حسناتُه قبل أن يقضيَ ما عليه، أخذ من خطاياهم فطُرِحت عليه ثمَّ طُرِح في النَّارِ".
لقد حدثوه عن المفلس في الدنيا، وحدثهم النبي عن المفلس الحقيقي يوم القيامة، حدثوه عن إفلاس ربما لا يضر بدين صاحبه، وحدثهم عن إفلاس يدخل صاحبه النار.
ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تحاسدوا، ولا تناجَشوا، ولا تباغَضوا، ولا يبِع بعضكم على بيعِ بعض، وكونوا عبادَ الله إخوانا، المسلمُ أخو المسلم، لا يظلِمه، ولا يحقرُه، ولا يخذُله، التّقوى ها هنا ـ فأشار بيده إلى صدره ثلاثًا ـ، بحسب امرئٍ من الشّرّ أن يحقرَ أخاه المسلم، كلّ المسلم على المسلم حرام؛ دمُه وماله وعِرضه" .
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمِن أحدُكم حتّى يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه" متّفق عليه، وقال أيضا : "من أحبَّ أن يُزحزَح عن النار ويُدخَل الجنّة فلتأتِه منيّته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأتِ إلى النّاس الذي يحبّ أن يؤتَى إليه" رواه مسلم.
فقد دلت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية على حرمة أذيّة المؤمن، والزجرَ الشديدَ من الإضرار بالمسلم بأيّ وجهٍ من الوجوه أو شكلٍ من الأشكال، القوليّة أو الفعليّة، الحسّيّة أو المعنويّة.
قال الله جلّ وعلا: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَـاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُواْ فَقَدِ احْتَمَلُواْ بُهْتَـانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا) [الأحزاب:58]. قال أهل التفسير: "وهذا التّشديد لأنّه كان في المدينة يومذاك فريقٌ يتولّى هذا الكيدَ بالمؤمنين والمؤمِنات، بنشرِ قالةِ السّوء عنهم وتدبير المؤامرات لهم وإشاعة التّهَم ضدّهم، وهو ـ أي: هذا التحريم والتّشديد ـ عامّ في كلّ زمان وفي كلّ مكان، والمؤمنون والمؤمنات عُرضةٌ لمثل هذا الكيدِ في كلّ بيئة من الأشرارِ المنحرفين والمنافقين والذين في قلوبهم مرَض، والله جلّ وعلا يتولّى عنهم الردَّ على ذلك الكيدِ ويسِم أعداءَهم بالإثم والبُهتان وهو أصدق القائلين".
وحذر النبي صلى الله عليه وسلم من أبسط انواع الأذى فيقول: "إيّاكم والجلوسَ في الطرقات"، فقالوا: يا رسول الله، ما لنا بدّ في مجالسنا، نتحدّث فيها، فقال عليه الصلاة والسلام وهو الرحيم المشفِق: "إذا أبَيتم إلاّ المجلس فأعطُوا الطريقَ حقَّه"، قالوا: وما حقُّ الطريق يا رسول الله؟ قال: "غضّ البصر، وكفّ الأذى، وردّ السّلام، والأمر بالمعروف، والنّهي عن المنكر".
وصعد صلى الله عليه وسلم المنبرَ فنادى بصوتٍ رفيع فقال: "يا معشرَ من أسلم بلسانِه ولم يفضِ الإيمان إلى قلبه، لا تؤذوا المسلِمين، ولا تعيّروهم، ولا تتَّبعوا عوراتِهم، فإنّه من تتبّع عورةَ أخيه المسلم تتبّع الله عورتَه، ومن تتبّع الله عورتَه يفضحه ولو في جوفِ رحله"، ونظر راوي الحديث ابنُ عمر رضي الله عنهما يومًا إلى البيتِ أو إلى الكعبة فقال: "ما أعظمَك وأعظمَ حرمتَك، والمؤمن أعظمُ حرمةً عند الله منك".
اقرأ أيضا:
كيف تحفظ إيمانك من الانحراف وتنجو بنفسك من التشتت؟كيف تتوب عن الأذى؟
1/رد الحقوق لأهلها ؛ ( إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ) [الشورى: 42].
2/ دوام استحضار حساب القيامة،"كلم رجلٌ الخليفةَ الراشد عمر بن عبدالعزيز يوما حتى أغضبه، فهمَّ به عمر ثم أمسك نفسه، وقال للرجل: أردت أن يستفزني الشيطان بعزة السلطان، فأنال منك ما تناله مني غدا؟ قم - عافاك الله".
3/ دوام محاسبة النفس فإن من حاسب نفسه عرف جناياتها، وسعى في فكاكها قبل يوم القيامة، "دخل عثمان بن عفان رضي الله عنه فوجد غلامه يعلف ناقة له، وإذا في علفها شيء فأخذ بأذنه فعركها، ثم ندم. فقال للغلام: قم فاقتص مني! فأبى الغلام. فلم يزل به حتى قام فأخذ بأذنه ثم قال له: "اعرك اعرك"، ويقول: "شد شد"، حتى عرف عثمان أنه بلغ منه ثم قال: "واهاً لقصاص الدنيا قبل قصاص الآخرة".
4/ عدم التعويل على العفو: فإنك لو عولت عليه من الله: فإن ديوان المظالم بين العباد يستوفيه الله كله، وإن عولت على عفو العباد، فإنه في الدنيا شحيح نادر، فكيف بيوم {يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (11) وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (12) وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ (13) وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ (14)}(سورة المعارج).
5/ تذكر قدرة الله عليك: كتب عمر بن عبد العزيز إلى بعض عمّاله: «أما بعد، فإذا هممت بظلم أحد فاذكر قدرة الله عليك، واعلم أنك لا تأتي إلى الناس شيئًا إلا كان زائلاً عنهم باقيًا عليك، واعلم أن الله - عز وجل - آخذٌ للمظلومين من الظالمين والسلام».
6/ التحلل من المظالم في الدنيا: فهو خير من قصاصها في الآخرة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "مَن كانت لِأَخِيه عنده مَظْلِمَةٌ من عِرْضٍ أو مالٍ، فَلْيَتَحَلَّلْه اليومَ، قبل أن يُؤْخَذَ منه يومَ لا دينارَ ولا دِرْهَمَ، فإن كان له عملٌ صالحٌ، أُخِذَ منه بقَدْرِ مَظْلِمَتِه، وإن لم يكن له عملٌ، أُخِذَ من سيئاتِ صاحبِه فجُعِلَتْ عليه".
7/ معاملة الخلق بالعفو والصفح؛ عسى أن يعفو الله عنا، فإن الجزاء من جنس العمل، قال تعالى: {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُم}[النور:22]. قال ابن القيم: "اللهُ - عز وجل - يعامل العبدَ في ذنوبه بمثل ما يعامل به العبدُ الناسَ في ذنوبهم".
اقرأ أيضا:
عققته قبل أن يعقك.. خمس حقوق لابنك تحفظ بها بره