دائمًا ماتسمع من العوام عن حب الله لبعض عباده بحسب ما يمتلك العبد من قلب سليم، وهداية وحكمة يهبها الله عز وجل له، لكي يكون من أصحاب الحظ الذين فازوا بأعظم ما يمكن أن يفوز به إنسان، ولكن كيف يكون الحب وشروطه من الله تجاه العبد الصالح، وهل حب الله سابق على حب العبد، أم حب العبد يجب أن يكون سابقا على حب الله حتى ينال شرف محبة الله العظيم؟.
محبة متبادلة
فالمحبة بين الله وعباده محبة متبادلة ؛ لقوله عز وجل في سورة المائدة :{ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} ، والمحبة الصادقة توجب التعلق بالمحبوب والسعي لإرضائه ، أما زعم المحبة دون بذل الأسباب التي تستدعي تحقيق محبة المحبوب فهو مجرد كلام قلما يصدق صاحبه ؛ لقوله تعالى في سورة آل عمران: "قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ"؛ فمحبه الله توجب طاعته فيما أمر واجتناب ما نهى الله عنه وزجر والاتباع لسنه رسوله وأمينه على وحيه محمد صلى الله عليه وسلم.
وعلامات حب الله للعبد كثيرة، ومن هذه العلامات ما يلي:
1- أن يتيسر للعبد اتباع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والاقتداء بسنته الشريفة.
2- أن يتصف المسلم بالرحمة والتواضع مع إخوانه المؤمنين، وأن يكون عزيز النفس في تعامله مع غير المؤمنين، وأن يكون دأبه مجاهدة الهوى والشيطان وأعوانه ومساوئ الأخلاق، وألا يخاف ملامة الناس في تمسكه بالحق.
3- ألَّا يجد في قلبه معاداة أو كراهية لأحد من أولياء الله الصالحين، ومنهم الأخفياء الذين لا يتفطن لهم الناس، ولهذا فالمؤمن ينشغل بعيوبه عن عيوب الناس، فربهم أعلم بهم.
4- أن يُوفَّق للحفاظ على الفرائض وعلى الاستكثار من النوافل حتى يغلب عليه التقديس الإلهي وتجري على قلبه ويده ولسانه وسائر قواه الحكمة الإيمانية وانعكاساتها الإصلاحية التي استخلف الإنسان في الأرض لإقامتها.
5- أن يوضع للعبد القبول في قلوب العباد كنتيجة لحب الله إياه وحب ملائكة الله وأهل السماء المطهرين له؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا أَحَبَّ اللهُ العَبْدَ نَادَى جِبْرِيلَ: إِنَّ اللهَ يُحِبُّ فُلانًا فَأَحْبِبْهُ، فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، فَيُنَادِي جِبْرِيلُ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ: إِنَّ اللهَ يُحِبُّ فُلانًا فَأَحِبُّوهُ، فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ القَبُولُ فِي الْأَرْضِ» رواه البخاري.
6- أن يجد المؤمن نفسَه مدفوعة إلى الطاعة، مقبلة على الله عز وجل، مشغولة بذكره سبحانه وبالتعرف عليه في آياته القرآنية وآياته الكونية، وبالفكر والذكر وكثرة السجود، يقترب المحبُّ من ربه ويأنس بحضرته القدسية، وتيسير الله عز وجل ذلك له دليل على أنه يحبه ويقربه ويقبل عليه أكثر من إقبال العبد عليه.
يقول الشافعي رحمه الله :
تعصي الإله و أنت تزعم حبه - هذا لعمري في القياس شنيع
لو كان حبك صادقًا لأطعته - إن المحب لمن يحب مطيع
ماذا يحدث إذا تحققت محبة الله للعبد؟
إن تحققت محبة الله للعبد تحققت ولايته له وحفظه ورعايته للحديث القدسي :
" من عادى لي وليّاً فقد آذنته بالحرب ، وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضته عليه ، ولا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ، ولئن سألني لأعـطينه ، ولئن استعاذني لأعيذنه " .
وهذا كمال محبة الله للعبد الناتج عن تقرب العبد لربه بما يرضيه .
أما في الآية { ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادًا ... }.
فالند هو الشبيه والنظير ، وتعالى الله أن يكون له ذلك ؛ { فليس كمثله شيء وهو السميع البصير } .
واتخاذ الأنداد يكون ببذل المحبة المذكورة سابقًا إليهم ، بالتعلق والحرص على الإرضاء ، وقد فعلها المشركون مع أوثانهم بزعم { ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى } .
فصرفوا ما يجب أن يُصرف لله وحده إلى أوثانهم المزعومة ، أما مشركو زماننا فقد كانت لهم أوثان من بشر أو عقائد أو مبادئ باطلة ما أنزل الله بها من سلطان ، فصرفوا أسباب المحبة والتعلق والبذل والتضحيات لغيره تعالى ، وصرفوا أشكال المحبة من توكل وخوف ورجاء بالمخلوقين دون الخالق ، فضلوا وأضلوا !.
اقرأ أيضا:
لا تدع الإيمان ينقص في قلبك وجدده بهذه الطريقةمن يسبق بحبه من؟
كنا نٔعتقد أنَّ العبد هو الذي يحب الله أولاً حتى يحبه الله؛ حتى كشف قوله تعالى في سورة المائدة :"فسوف يأتي الله بقومٍ يُحبُّهم ويُحبُّونه"..
فعلمنا أنَّ الذي يحب أولاً هو الله.
هذا تماما كما كنا نٔعتقد أنَّ العبد هو الذي يتوب أولاً حتى يتوب الله عليه؛ فقرأنا قوله تعالى: ""ثُمَّ تَابَ عليهم ليتوبوا".. فعلمنا أنَّ الله هو الذي يلهمك التوبة حتى تتوب، وأن التوبة بفضل وتوفيق من الله عز وجل.
وكنا نٔعتقد أنَّ العبد هو الذي يُرضي الله أولاً ثم يرضى الله عنه؛ حتى قرأنا قوله تعالى "رضي الله عنهم ورضوا عنه".. فعلمنا أنَّ الله يرضى عنا وبرضاه نرضى بحبه.
ومن آثار محبة العبد لله تعالى: أن هذه المحبة تَفيض من قلبه على جوارحه، عبادةً واتِّباعًا للنبي صلى الله عليه وسلم، وأعمالاً صالحة.
وجزاء ذلك أن الله يحبهم، ويغفر لهم ذنوبَهم؛ بدليل قوله تعالى: ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [آل عمران: 31].