نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التشاؤم، وقال في حديثه الشريف: " إن الله يحب الفأل الحسن"، في الوقت الذي كان العرب يتطيرون ويتشاءمون لأتفه الأسباب، فجاء الإسلام فصحح الكثير من العادات والمفاهيم الخاطئة التي ارتبطت بهذه السلوكيات.
ومن الأشياء التي كان يتشاءم منها العرب شهر صفر، الذي ارتبط عند العرب بالتشاؤم والنحس، فجاء الإسلام ليغير كل هذا ويؤكد على أن كل ما ارتبط بهذا الشهر من خرافات هو أمر مرفوض وأن التفاؤل والأمل خير من التشاؤم.
وقد روى الإمام البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "لا عَدْوَى وَلا طِيَرَةَ وَلا هَامَةَ وَلا صَفَرَ" وزاد مسلم ”وَلا نَوْءَ وَلا غُولَ“.
لماذا يتشاءم العرب من صفر؟
وكان العرب قبل الإسلام يتجنبون السفر في هذا الشهر وكذلك الزواج أو أن يبدأوا فيه عملًا خشية النحس أو أن لا يبارك في هذا العمل أو التجارة، بل اعتبروا يوم الأربعاء الأخير من شهر صفر هو أنحس أيام السنة .
قال البغوي رحمه الله: "العرب كانت تقول: الصفر حية تكون في البطن تصيب الإنسان والماشية، تؤذيه إذا جاع، وهي أعدى من الجرب عند العرب، فأبطل الشرع أنها تعدي، وقيل في الصفر: إنه تأخيرهم تحريم المحرم إلى صفر، وقيل: إن أهل الجاهلية كانوا يستشئِمون بصفر، فأبطل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذلك".
وقد حذر علماء الأمة كذلك من التشاؤم في شهر صفر والذي هو عادة جاهلية، فقال الإمام الحافظ ابن رجب: "وأما تخصيص الشؤم بزمان دون زمان كشهر صفر أو نحوه، فغير صحيح، وإنما الزمان خلق الله تعالى وفيه تقع أعمال بني آدم: فكل زمان شغله المؤمن بطاعة الله فهو زمان مبارك عليه، وكل زمان شغله العبد بمعصية الله تعالى فهو مشؤوم عليه، فالشؤم في الحقيقة هو معصية الله تعالى".
وقالت طائفة في تشاؤم العرب من شهر صفر، إنه ما كان أهل الجاهلية يفعلونه في النسيء فكانوا يحلون المحرم، ويحرمون صفر مكانه،وهذا قول الإمام مالك، كما كانوا يستشئمون بصفر ويقولون أنه شهر مشئوم ، فأبطل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك . ورجَّح هذا القول ابن رجب الحنبلي .
فكثير من الجهال يتشاءم بصفر ، وربما ينهى عن السفر فيه ، وقد قال بعض هؤلاء الجهال : ذكر بعض العارفين أنه ينزل في كل سنة ثلاثمائة وعشرون ألفاً من البليات ،وكل ذلك في يوم الأربعاء الأخير من صفر ، فيكون ذلك اليوم أصعب أيام السنة كلها ، فمن صلى في ذلك اليوم أربع ركعات ، يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب مرة ، وسورة الكوثر سبع عشرة مرة والإخلاص خمس عشرة مرة ، والمعوذتين مرة ، ويدعو بعد السلام بهذا الدعاء ، حفظه الله بكرمه من جميع البليات التي تنزل في ذلك اليوم ولم تحم حوله بلية في تلك السنة ، وهذا هو الدعاء :
(( بعد البسملة....... اللهم يا شديد القوة ، ويا شديد المحال ، يا عزيز ، يا من ذلت لعزتك جميع خلقك. اكنفني من شر خلقك ، يا محسن يا مجمل يا متفضل ، يا منعم يا متكرم ، يا من لا إله إلا أنت ، ارحمني برحمتك يا أرحم الراحمين ، اللهم اكفني شر هذا اليوم وما ينزل فيه يا كافي المهمات ويا دافع البليات ، فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم ، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين )) .
ولا شك التشاؤم بصفر أو بيوم من أيامه هو من جنس الطيرة المنهي عنها : فقد قال صلى الله عليه وسلم:((لا عدوى، ولا طيرة، ولا هامة ، ولاصفر)) .
وقال صلى الله عليه وسلم (( لا عدوى،ولا طيرة ، ويعجبني الفأل)) قالوا :وما الفأل ؟ قال :(( كلمة طيبة)) .
وقال عليه الصلاة والسلام ((طيرة شرك ، طيرة شرك)) .
وقال صلى الله عليه وسلم : (( من ردته الطيرة عن حاجته فقد أشرك )) ، قالوا : فما كفارة ذلك ؟ قال : (( أن تقول: اللهم لا خير إلا خيرك ، ولا طير إلا طيرك ، ولا إله غيرك )) .
اقرأ أيضا:
الكسل داء يبدد الأعمار والطاقات.. انظر كيف عالجه الإسلامالتشاؤم معصية لله
فالشؤم في الحقيقة هو معصية الله تعالى ، واقتراف الذنوب، فإنها تسخط الله عز وجل، فإذا سخط على عبده ، شقي في الدنيا والآخرة ، كما أنه إذا رضي عن عبده سعد في الدنيا والآخرة .
فالعاصي مشؤم على نفسه، وعلى غيره، فإنه لا يؤمن أن ينزل عليه عذاب فيعم الناس، خصوصاً من لم ينكر عليه عمله، فالبُعد عنه متعين .
قال تعالى :{ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} .
وقد يجعل الله سبحانه وتعالى تطير العبد ، وتشاؤمه سبباً لحلول المكروه ، كما يجعل الثقة به ، والتوكُّل عليه وإفراده بالخوف والرجاء من أعظم الأسباب التي يدفع بها الشر المتطير به ، وسر هذا أن الطيرة إنما تتضمن الشرك بالله تعالى ، والخوف من غيره ،وعدم التوكل عليه والثقة به ،فكان صاحبها غرضاً لسهام الشر والبلاء ، فيتسرع نفوذها ؛ لأنّه لم يتدرع بالتوحيد والتوكل ، والنفس لابد أن تتطير ، ولكن المؤمن القوي الإيمان يدفع موجب تطيره بالتوكل على الله ، فإن من توكل على الله وحده كفاه من غيره ، قال تعالى : { فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ *إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ } . .
والتشاؤم من الاعتقادات الجاهلية التي انتشرت بين كثير من جهال المسلمين ، نتيجة جهلهم بالدين عموماً ، وضعف عقيدة التوحيد فيهم خصوصاً ، وسبب ذلك الجهل ،ونقص التوحيد ، وضعف الإيمان ، هو عدم انتشار الوعي الصحيح فيهم ، ومخالطة أهل البدع والضلال ، وقلة من يرشدهم ويبين لهم الطريق المستقيم ، وما يجب اعتقاده ، وما لا يجوز اعتقاده ، وما هو شرك أكبر يخرج المسلم عن الملة الإسلامية وما هو شرك أصغر ،وما هو ذريعة إلى الشرك ينافي كمال التوحيد ، ويوصل الفاعل في النهاية إلى الشرك الأكبر ، الذي لا يغفر الله لصاحبه إن مات ولم يتب ، ويكون مخلداً في النار ، وتحبط جميع أعماله الصالحة ، كما قال تعالى : {..... إنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} . وقال الله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً} .
ومع ذلك لا زال كثير من الناس يتشاءمون من شهر صفر ، ومن السفر فيه ،فلا يقيمون فيه مناسبة ولا فرحاً ، فإذا جاء في نهاية الشهر ، احتفلوا في الأربعاء الأخير ، احتفالاً كبيراً ،فأقاموا الولائم والأطعمة المخصوصة والحلوى ، خارج القرى والمدن ، وجعلوا يمشون على الأعشاب للشفاء من الأمراض .
وهذا لا شك أنه من الجهل الموقع في الشرك – والعياذ بالله – ومن البدع الشركية ، ويتوقف بالدرجة الأولى على سلامة العقيدة . فهذه الأمور لا تصدر إلا ممن يشوب اعتقاده بعض الأمور الشركية ، التي يجر بعضها بعضاً كالتوسلات الشركية ، والتبرك بالمخلوقين ، والاستغاثة بهم .
أما من أنعم الله عليه بسلامة العقيدة ، وصحتها ، فإنه دائماً متوكِّل على الله ، معتمدٌ عليه ، موقنٌ بأن ما أصابه لم يكن ليخطئه ، وما أخطأه لم يكن ليصيبه .