منذ 70 عامًا، يقبع بول ألكسندر داخل أسطوانة للبقاء على قيد الحياة، لايغادرها ولا يخرج منها البتة، بعد أن داهمه في السادسة من عمره شلل الأطفال، وتوقف عن التنفس، سارع والده في نقله إلى المستشفى محاولاً إنقاذه، لكن طبيب الطوارئ أعلن وفاته، إلا أن طبيبًا آخر حمله وركض به إلى إحدى الغرف، قام بإحداث شق في القصبة الهوائية، فعادت الروح إلى الطفل.
قرر بول ألا يفرط الفرصة في الحياة، حتى وإن كانت فقط برأس ولسان وعينين، هذه الرئة الحديدية التي يعيش فيها كانت في منتصف القرن الماضي الحل الوحيد لإنقاذ الناس من الموت نتيجة شلل الأطفال، الذي يقضي على جميع وظائف الجسم والعضلات، بما فيها الحجاب الحاجز، وفق تقرير عرضته شبكة "سكاي نيوز عربية".
ويبلغ وزن الرئة الحديدية 300 كلج، ويعد بول هو الوحيد فوق الأرض الذي يستمر بالعيش فيها منذ عام 1952 وحتى الآن، لمساعدته على التنفس، وذلك عبر خلق بيئة من الأكسجين حوله، تدفعه للتنفس بصورة شبه طبيعية.
أطلق عليها اسم "الغواصة الصفراء"، كان شعاره في الحياة أن الماضي أو الإعاقة ليس لهما الحق في رسم المستقبل. راح بول بغواصته يمخر عباب المعرفة والعلم، تجاوز جميع الصفوف الدراسية بدرجة امتياز مع مرتبة الشرف، حاول البعض عرقلة دخوله الجامعة مشترطًا عليه الحصول على لقاح شلل الأطفال وإيجاد مساعد يرافقه طوال سنوات الدراسة. سنوات قليلة ويصنع بول المعجزة، ويتخرج من كلية الحقوق، ويمتهن المحاماة.
يجيد بول الرسم بطريقة رائعة، ويجيد العمل على الكمبيوتر، وضليعًا بالإنترنت، وخفايا الشبكة العنبكوتية، بقلم صغير مثبت على قطعة بلاستيكية كتب كل مذكراته.
لم يخالف بول قواعد العيش الطبيعية يومًا، يفرش أسنانه، ويغسل وجهه، ويتناول الفطور، ثم يدرس القضايا، ويقرأ الروايات والكتب,. الكثير من المجرمين ومتعاطي المخدرات وضحايا الضغط النفسي من المكتئبين واليائسين قرأوا وسمعوا عنه، راسلوه وشكروه: "لقد غيرتنا حياتنا إلى الأفضل أيها الرائع".
رجل الرئة الحديدية لفت أنظار العالم إلى أن الحياة تستحق، تمامًا كما لفت انتباه الكثيرين إلى عظمة ما في أجسادنا من نعم. الرئة الحديدية التي تزن 300كلج بما فيها من أجهزة ومحركات ميكانيكية، إضافة إلى صوتها العالي الذي لايتوقف مدى الحياة هي بديلة عن وظيفة الحجاب الحاجز، الذي لايزيد وزنه في أكبر الاحتمالات عن كيلوجرامين.
بول أراد شلل الأطفال أن يقتله، لكنه عزم الأمر وجعل من الهزيمة انتصارًا وابتسارًا، تقرأ فيهما: كن جميلاً فترى الوجود جميلاً.