يتحمل الآباء في أحيان كثيرة المسئولية عن فساد أبنائهم، من خلال مشاركتهم بعض سلوكياتهم الحرام، والسماح لهم برؤية كل ما يفعلونه من موبقات، بداية من جرأة الزوجين في إقامة العلاقة الجنسية أمام أطفالهم، مرورًا بشرب المخدرات أمامهم، لا ويذهب البعض في أكثر من ذلك كأن يرسل أحد أبنائه لشراء المخدرات من بعض مروجي هذه السموم، وانتهاءً بالتلفظ بالكلمات والسباب الخارج عن الأدب، والدين، حتى يتطبع الطفل من صغره بهذه الموبقات، ليصل بها إلى ذروتها، فينقلب على أبويه، ثم تجد الأبوين يسألان الله: "لماذا أبناؤنا فاسدون من دون الناس؟".
وفي ذلك يقول العلامة بن القيم في " تحفة المودود" :( وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبل الآباء وإهمالهم لهم وترك تعليمهم فرائض الدين وسننه ، فأضاعوهم صغاراً ، فلم ينتفعوا بأنفسهم ولم ينفعوا آباءهم كباراً ، كما عاتب بعضهم ولده على العقوق فقال : يا أبتِ إنك عققتني صغيراً ، فعققتك كبيراً ، وأضعتنى وليداً فأضعتك شيخاً ) .
التربية ليست مجرد إشباع للبطون
يظن الكثير من الآباء أن التربية هي مجرد إشباع ما في بطون الأبناء، وتوفير المأكل والمشرب والملبس، فلا يسعى كثير من الناس اليوم إلا إلى توفير الأكل والشرب واللباس لأبنائهم ويجعل جل اهتماماته توفير ذلك له ولأفراد أسرته، بل ويسرف في تلبية كل طلبات الأسرة من ذلك، فهو يقيهم بذلك من ألم الجوع والعطش والبرد، ويسترهم من عريهم، ويعز شأنهم عند خصومهم.
هذا حال كثير من الناس اليوم، وليس عليهم في ذلك بأس، فهذا من الأمور المتطلبة، بل هي من الأمور الواجبة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «كفى بالمرءِ إثمًا أنْ يُضيِّعَ مَن يقُوتُ» وفي رواية الحاكم: «من يعول».
ولكن لا يعلم هؤلاء أن هذا هو مجرد جانب واحد من الجوانب التي يجب على ولي أمر الأسرة أن يوفره لأسرته قدر المستطاع، لكن هناك جوانب أخرى يجب العناية بها.
فأنت نعم أشبعت ابنك وكسوته ورويته، ولكنك أفسدته، فهل أنت ربيته التربية الإسلامية! وهل أعنته على التربية الإيمانية كما وفرت له التربية الجسمية؟ هل ألحقته بحلقات تحفيظ القرآن الكريم حيث يعيش هناك مع من يتولى تربيته على هدي النبي صلى الله عليه وسلم؟ هل حرصت على نجاته من نار جهنم كما حرصت عليه من نار الجوع والبرد والعطش وإن كان بينها البون الشاسع والفرق الواضح؟.
اظهار أخبار متعلقة
اتقوا النار أنتم وأبناؤكم
يقول الله تعالى وهو يحث عباده على أن يقوا أنفسهم وأهليهم نار جهنم إذ أن عذابها ليس له نهاية أما الجوع والعطش فله نهاية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6].
فهل جعلت بين ابنك وبين نار جهنم وقاية كما جعلت له وقاية من الجوع والعطش؟، فأنت تسأل أبناءك عن جوعهم وعطشهم وعريهم فهل سألتهم عن صلاتهم وطاعتهم لله ورسوله؟ هل سألتهم عن أصدقائهم في مدرستهم، وهل شجعتهم على أداء الصلاة؟.
قد تكون الإجابة معروفة وهو أنه أنت لم تتوقف عن تربية أبناءك ولكنك ربما أفسدتهم، وقد لا يقتصر فسادهم على أنفسهم، بل يصبحون معاول هدم لأمتهم.
قال ابن القيم رحمه الله: "وصية الله للآباء بأولادهم سابقة على وصية الأولاد بآبائهم قال الله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ} [الإسراء من الآية:31]، فمن أهمل تعليم ولده ما ينفعه وتركه سدى فقد أساء إليه غاية الإساءة، وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبل الآباء وإهمالهم لهم وترك تعليمهم فرائض الدين وسننه، فأضاعوهم صغارًا فلم ينتفعوا بأنفسهم ولم ينفعوا آباءهم كبارًا، كما عاتب بعضهم ولده على العقوق، فقال: يا أبت إنك عققتني صغيرًا فعققتك كبيرًا وأضعتني وليدًا فأضعتك شيخًا".
عشرة نصائح:
أولاً: الأصل في تربية النشء إقامة عبودية الله عز وجل في قلوبهم وغرسها في نفوسهم وتعاهدها.
ثانياً: لابد من الإخلاص لله عز وجل في أمر التربية، ولاشك أن الخير في تعليمهم ابتغاء ثواب الله عز وجل وما عداه فهو تابع له.
ثالثاً: عليك باستصحاب النية في جميع أمورك التربوية حتى تُؤجَر. الزم النية في تعليمهم وفي النفقة عليهم، وفي ممازحتهم وملاعبتهم وإدخال السرور عليهم وعوَّد نفسك على ذلك.
رابعاً: الدعاء هو العبادة، وقد دعا الأنبياء والمرسلون لأبنائهم وزوجاتهم { رَبَّنَا هَبّ لَنَا مِنّ أزوَاجِنَا وَذُرِيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ} [الفرقان:74]، { وَإذّ قَالَ إبْرَاهِيمُ رَبِ اجْعَلّ هَذَا البَلَدَ ءَامِنًا وَاجنُبنِي وَبَنَيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصنَامَ} [إبراهيم:35].
خامساً: عليك بالمال الحلال وتجنب الشبه، ولا تقع في الحرام، فإنه صح عن النبي أنه صلى الله عليه وسلم قال: « كل جسم نبت من سحت فالنار أولى به » ولا يظن الأب أو الأم أن الحرام في الربا والسرقة والرشوة فحسب، بل حتى في إضاعة وقت العمل وإدخال مال حرام دون مقابل.
سادساً: القدوة الحسنة من ضروريات التربية، فكيف يحرص ابنك على الصلاة وهو يراك تضيَّعها، وكيف يبتعد عن الأغاني والمجون وهو يرى والدته ملازمة لسماعها ! ثم في صلاحك حفظ لهم في حياتك وبعد مماتك. وتأمل في قول الله تعالى: { أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ} [الكهف:82] فصلاح الأب هذا عمَّ أبناءه بعد موته بسنوات.
سابعاً :الصلاة، الصلاة، فهي الفريضة العظيمة والركيزة الثانية من فرائض الإسلام بعد الشهادتين، فاحرص عليها وليشعر ابنك بأهميتها وعظم قدرها. وهي يسيرة على من يسرها الله عليه. والتزم الأدب النبوي في تربية الأطفال فقد قال عليه الصلاة والسلام كما روى ذلك الإمام أحمد: « مروا أبنائكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر» .