يقول الله عز وجل : « وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ » .
أعلن الله عز وجل في كتابه الكريم كراهيته للفساد، ولكل صور الفساد، وأمرنا عز وجل بمحاربة الفاسدين والمفسدين في الأرض، لأن الفساد سبب لكل بلية ومصيبة.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: « يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلا فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ وَالأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلافِهِمِ الَّذِينَ مَضَوْا وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ الْمَئُونَةِ وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ وَلَوْلا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ إِلا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلا جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ ».
وعندما نتتبع آيات القرآن الكريم التي ورد فيها ذكر الإفساد نتعرف على أبرز صور الإفساد، والتي منها:
1– الشرك بالله إفساد، قال الله تبارك وتعالى: {الَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ اللهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يُفْسِدُونَ} [النحل:88]، فهؤلاء جمعوا بين إفسادين: كفر بالله، وصد عن سبيل الله.
2– النفاق إفساد في الأرض، قال الله تبارك وتعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَـكِن لَّا يَشْعُرُونَ (12)} [البقرة:11-12].
3– تكذيب الرسل، ورد الحق برغم الإيقان به، قال الله تبارك وتعالى عن آل فرعون: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ} [النمل:14].
وقال صالح لقومه: {وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ (151) الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ (152)} [الشعراء:151-152].
4– اللجـوء إلى غير الله ودعاء الأموات إفساد، قال الله تبارك وتعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55) وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (56)} [الأعراف:55-56].
5– قتل النفس إفساد، وتعظم الجريرة إذا كان المقتول مصلحًا، قال الله تبارك وتعالى: {وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ} [النمل:48].
ولذا قالت الملائكة: {قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ} [البقرة:30].
اقرأ أيضا:
لا تدع الإيمان ينقص في قلبك وجدده بهذه الطريقة6– بخس الموازين والتطفيف بالكيل إفساد، قال الله تبارك وتعالى على لسان شعيب: {فَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلَا تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا} [الأعراف:85]؛ لأن الإفساد بعد الإصلاح أشد قبحًا من الإفساد على الإفساد، فإن وجود الإصلاح أكبر حجة على المفسد إذا هو لم يحفظه ويجري على سننه، فكيف إذا هو أفسده وأخرجه عن وضعه؟ ولذا خُصَّ بالذكر، وإلا فالإفساد مذموم ومنهى عنه في كل حال(13).
7– التقاطع في الأرحام وعدم وصلها، قال الله تبارك وتعالى: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ} [محمد:22]، قال ابن كثير: «أي تعودوا إلى ما كنتم فيه من الجاهلية الجهلاء؛ تسفكون الدماء وتقطعون الأرحام»(14).
8– نقض العهد، وعدم الوفاء به، وقطع ما أمر الله به أن يوصل، قال الله تبارك وتعالى: {الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُولَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [البقرة:27].
9– الإسراف ومجاوزة الحد في الغي والتمادي في المعاصي إفساد، قال الله تبارك وتعالى على لسان موسى عليه الصلاة والسلام: {كُلُواْ وَاشْرَبُواْ مِن رِّزْقِ اللهِ وَلَا تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ} [البقرة:60].
وقال سبحانه وتعالى عن الألـد الخصم: {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ} [البقرة:205].
10– إيقاد نيران الحروب بين عباد الله إفساد، واليهود هم أهل هذا التخصص، قال الله تبارك وتعالى: {كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا وَاللهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} [المائدة:64].
11– السحـر إفساد، قال الله تبارك وتعالى: {قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ} [يونس:81]، وسمى الله عمل السحرة والسحر بأنه عمل المفسدين؛ وذلك لما يترتب عليه من فساد الأسر، والتفريق بين الزوجين، وخراب البيوت.
12– الجبروت والتكبر على عباد الله إفساد، والإفراط في الفرح والأشر والبطر، قال جل جلاله عن رمز الثراء الفاحش قارون: {إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (76) وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77)} [القصص:76-77].
13– ارتكاب المنكرات وإتيان ما حرّم الله من الفواحش، قال الله تبارك وتعالى على لسان لوط: {إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ الْعَالَمِينَ (28) أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنكَرَ} [العنكبوت:28-29].
فماذا كان جواب القوم المفسدين؟ قالوا: {ائْتِنَا بِعَذَابِ اللهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ}، فكانت دعوته: {قَالَ رَبِّ انصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ} [العنكبوت:30].
14– السرقة إفسـاد، قال جل وعلا عن إخوة يوسف: {قَالُواْ تَاللهِ لَقَدْ عَلِمْتُم مَّا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ} [يوسف:73](16).