كان الناس يسألون النبي صلى الله عليه وسلم عن الخير، ليستكثروا منه، ولكن الصحابي حذيفة بن اليمان لايسأل إلا عن الشر مخافة أن يقع فيه، خاصة في زمن الفتن، فقد جاء في الصحيحين، عن حذيفة بن اليمان، أنه:" كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت يا رسول الله: إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: نعم، قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: نعم، وفيه دخن، قلت: وما دخنه؟ قال: قوم يهدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر، قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: نعم، دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها، قلت: يا رسول الله: صفهم لنا، فقال: هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا، قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم. قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك".
وإيمانا بحرص الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان على ألا يقع في الشر، نكشف بعض الأشياءالتي تمنع رحمة الله ومحبته، وتخرج المسلم خارج الإطار الذي يرضاه له الله عز وجل، فهناك جملة من الأخلاق يكرهها الله سبحانه وتعالى في العبد وتتجلى هذه الأخلاق المكروهة في:
-الفجور في الخصام
حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الفجور في الخصام وجعلها من أهم سمات المنافقين، فقال صلى الله عليه وسلم: " أية المنافق ثلاث: إذا حذث كذب وإذا وعد أخلف وإذا خاصم فجر" وفي رواية: " إذا أؤتمن خان"، وإن الحافظ قد أوضح في “الفتح” أن الألد الخصم أي أنه هو دائم الخصومة، وإن هذا الاسم قد أُخذ من لديدي الوادي، وإن النووي قد قال في شرح مسلم: “”أبغض الرجال إلى الله الألدّ الخصِم” هو بفتح الخاء وكسر الصاد، والألدّ شديد الخصومة، مأخوذ من لديديْ الوادي، وهما جانباه؛ لأنه كلّما احتجّ عليه بحجة أخذ في جانب آخر، وأما “الخصم” فهو الحاذق بالخصومة، والمذموم هو الخصومة بالباطل في رفع حق إو إثبات باطل”، وقال العظيم آبادي : “وإذا خاصم فجر”؛ أي مال عن الحق، وقال: ” الباطل والكذب”، وإن أهل اللغة قالوا أن أصل الفجور هو الميلُ عن القصد، وإن من الأحاديث الشريفة التي ورد ت في السنة النبوية عن هذه الصفة هي:
وعن عائشة – رضي الله عنها – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: “إن أبغض الرجال إلى الله الألدُّ الخصِم”.
و عن عبد الله بن عمرو أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: “أربعٌ من كنّ فيه كان منافقًا خالصًا، ومن كانت فيه خَصْلَةٌ منهنّ كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدَعها؛ إذا اؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر”.
-النفاق في القول والعمل
يقول الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ ﴾ [الصف: 2-3]، وقال تعالى : ﴿ إِنَّ الله يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُمْ بُنيَانٌ مَرْصُوصٌ ﴾ [الصف: 4]، وهنا نجد أن الآية الأولى فيها إنكار على الأشخاص الذين يقولون مالا يفعلون، أما الآية الثانية فهي توضح شدة عضب الله سبحانه وتعالى ومقته على من يتصف بهذه الصفة، اما الآية الثالثة فهي تدل على موضوع القول والفعل ويتجلى في الجهاد في سبيل الله، وقد بين القرآن الكريم في عدة مواضع أن الآيتين اللتان تم ذكرهما يتعلق موضوعهما بالجهاد وتمنيهم إياه.
-أن يكره العبد لقاء الله فيكره الله لقاءه
وإن المراد بلقاء الله هو المصير إلى الدار الآخرة ، بالإضافة إلى طلب ما عند الله وليس الغرض به هو الموت بحد ذاته، فالمسلم الذي ترك حب الدنيا وأبعضها أحب لقاء الله، أما من أحبها وركن إليها كره لقاء الله سبحانه وتعالى لأنه لا بد من أن يصل إليه بالموت، وقد سبق ابن الأثير إلى تأويل لقاء الله بغير الموت الإمام أبو عبيدة القاسم بن سلام فقد قال: “ليس وجهَه عندي كراهةُ الموت وشدتُه؛ لأن هذا لا يكاد يخلو عنه أحد، ولكن المذموم من ذلك إيثار الدنيا والركون إليها، وكراهية أن يصير إلى الله والدار الآخرة، قال: ومما يبيّن ذلك أن الله تعالى عاب قومًا بحبِّ الحياة فقال: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا ﴾ [يونس: 7]”، وإن بعض العلماء قد أوضحوا محبة العبد للقاء الله أي إيثاره الآخرة على الدنيا، فعلى المسلم أن لا يفضل الاستمرار في الإقامة في الحياة الدنيا بل يجب أن يستعد لأن يرحل عنها.
فعن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “من أحبّ لقاء الله أحبَّ الله لقاءه، ومن كرِه لقاء الله كره الله لقاءه”، قالت عائشة -أو بعض أزواجه – صلى الله عليه وسلم -: إنا لنكره الموت، قال: “ليس ذاك؛ ولكن المؤمن إذا حضره الموت بشر برضوان الله وكرامته فليس شيء أحبّ إليه مما أمامه فأحبّ لقاء الله وأحب الله لقاءه، وإن الكافر إذا حضر بُشِّر بعذاب الله وعقوبته فليس شيء أكره إليه مما أمامه فكرِه لقاء الله وكره الله لقاءه”.
اظهار أخبار متعلقة
-التفاهة وسوء الخلق
قال النبي صلى الله عليه وسلم : “إن الله تعالى جميلٌ يحبّ الجمال، ويحبّ معالي الأخلاق ويكره سفسافها”، وقال: “إن الله تعالى يحب معاليَ الأمور وأشرافَها ويكره سفسافَها”.
-الفحش والتفحش
الفحش والفحشاء هو من القبيح في القول والعلم، وإن المتفحش الذي يتلكف بسب الناس ويتعمده، وقيل أن الفاحشة هي كل خصلة قبيحة، وتعتبر فاحشة من الأقوال وأيضاً من الأفعال، وإن من الأحاديث النبوية التي وردت عن الفحش والتفحش:
عَنْ عُبَيْدِ الله قَالَ: رَأَيْتُ أُسَامَةَ يُصَلِّي عِنْدَ قَبْرِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم ، فَخَرَجَ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ، فَقَالَ: تُصَلِّي عِنْدَ قَبْرِهِ؟ قَالَ: إِنِّي أُحِبُّهُ، فَقَالَ لَهُ قَوْلاً قَبِيحًا ثُمَّ أَدْبَرَ، فَانْصَرَفَ أُسَامَةُ فَقَالَ لِمَرْوَانَ: إِنَّكَ آذَيْتَنِي، وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: “إِنَّ الله يبْغضُ الْفَاحِشَ الْمُتَفَحِّشَ”، وَإِنَّكَ فَاحِشٌ مُتَفَحِّشٌ”.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم : “إِيَّاكُمْ وَالْفُحْشَ فَإِنَّ الله يبْغض الْفَاحِشَ الْمُتَفَحِّشَ”.
وعن أم الدرداء عن أبي الدرداء -رضى الله عنه- أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: “ما شيء أثقل من ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن، وإن الله ليبغض الفاحش البذيء”.
أسباب محبة الله للعبد
علامات حب الله للعبد كثيرة، ومن هذه العلامات:
1- أن يتيسر للعبد اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم والاقتداء بسنته الشريفة.
2- أن يتصف المسلم بالرحمة والتواضع مع إخوانه المؤمنين، وأن يكون عزيز النفس في تعامله مع غير المؤمنين، وأن يكون دأبه مجاهدة الهوى والشيطان وأعوانه ومساوئ الأخلاق، وألا يخاف ملامة الناس في تمسكه بالحق.
3- ألَّا يجد في قلبه معاداة أو كراهية لأحد من أولياء الله الصالحين، ومنهم الأخفياء الذين لا يتفطن لهم الناس، ولهذا فالمؤمن ينشغل بعيوبه عن عيوب الناس، فربهم أعلم بهم.
4- أن يُوفَّق للحفاظ على الفرائض وعلى الاستكثار من النوافل حتى يغلب عليه التقديس الإلهي وتجري على قلبه ويده ولسانه وسائر قواه الحكمة الإيمانية وانعكاساتها الإصلاحية التي استخلف الإنسان في الأرض لإقامتها.
5- أن يوضع للعبد القبول في قلوب العباد كنتيجة لحب الله إياه وحب ملائكة الله وأهل السماء المطهرين له؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا أَحَبَّ اللهُ العَبْدَ نَادَى جِبْرِيلَ: إِنَّ اللهَ يُحِبُّ فُلانًا فَأَحْبِبْهُ، فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، فَيُنَادِي جِبْرِيلُ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ: إِنَّ اللهَ يُحِبُّ فُلانًا فَأَحِبُّوهُ، فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ القَبُولُ فِي الْأَرْضِ» رواه البخاري.
6- أن يجد المؤمن نفسَه مدفوعة إلى الطاعة، مقبلة على الله عز وجل، مشغولة بذكره سبحانه وبالتعرف عليه في آياته القرآنية وآياته الكونية، وبالفكر والذكر وكثرة السجود، يقترب المحبُّ من ربه ويأنس بحضرته القدسية، وتيسير الله عز وجل ذلك له دليل على أنه يحبه ويقربه ويقبل عليه أكثر من إقبال العبد عليه.
اظهار أخبار متعلقة
ومن الأسباب التي تجلب محبة الله للعبد هي:
إخلاص القصد لله في العبادة.
مواصلة الصلوات الخمس.
الإنفاق في مرضاة الله.
ملازمة مجالس العلم والإيمان.
الإحسان.
الصبر والإيمان بالقضاء والقدر بالإضافة إلى الاحتساب على الأقدار المؤلمة، والوصول إلى درجة الرضا بما كتبه الله سبحانه وتعالى.
ذكر الله المستمر آناء الليل وأطراف النهار.
تلاوة القرآن الكريم وتدبر معانيه.
العمل الصالح.
وقد ورد دليل في السنة النبوية الشريفة على أسباب محبة الله للعبد في صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: «إن الله تعالى قال: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر فيه ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها ولئن سألني لأعـطينه ولئن استعاذني لأعيذنه».
مراتب محبة الله
المرتبة الأولى التي تكون فيها المحبة كاملة لله تعالى وتتجلى في التزام السنن والواجبات والابتعاد عن المحرمات، وهذه المرتبة يكون فيها الأنبياء.
المرتبة الثانية وهو المقتصد في محبة الله والذي يواظف على الواجبات ويبتعد عن المحرمات، وفي هذه المرتبة هم عامة الصالحين.
المرتبة الثالثة وهي التي يكون فيها محبة الله ناقصة فيكون هناك قصر في فعل الواجبات والإسراف في السيئات، وهذا حال أهل الغفلة والهوى.
علامات محبة الله للعبد
توفيقه إياه لطاعة الله سبحانه وتعالى.
يساعده الله سبحانه وتعالى عن الابتعاد عن المعصية.
إجابة الدعاء.
تثبيته عند الابتلاءات.
يحميه الله سبحانه وتعالى من فتن الدنيا، فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: “إذا أحب الله عبداً حماه الدنيا كما يظل أحدكم يحمي سقيمه الماء”.
إن من العلامات هو أن يتبع المسلم سنة رسولنا الكريم، فقد قال الرسول عليه الصلاة والسلام : “قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم”.