مجالسة الملوك، ليس كمجالسة غيرهم من الناس، فإذا كانت هناك آداب يجب مراعاتها في الجلوس مع عامة الناس، فما يجب مراعاته مع الملوك أشد، وكذلك يجب معرفة قوانين ورسوم مجالستهم، لأن غضبهم على الناس، ليس كغضب غيرهم.

غرائب وعجائب:

1-حكي عن أبي بكر الهذلي أنه كان يسامر الخليفة أبا العباس، إذ تحدث أبو العباس بحديث من أحاديث الفرس، فعصفت الريح، فنشرت ترابا من سطح إلى مجلس أبي العباس، فارتاع ومن حضره.
 ولم يتحرك أبو بكر لذلك، ولم تزل عينه متطلعة لعين أبي العباس.
 فقال له: ما أعجب شأنك، يا هذلي، لم ترع مما راعنا.
قال: يا أمير المؤمنين، إن الله عز وجل يقول: ما جعل الله لرجلٍ من قلبين في جوفه، وإنما للمرء قلب واحد، فلما غمره السرور بمحادثة أمير المؤمنين، لم يكن فيه لحادث مجال.
وإن الله إذا انفرد بكرامة أحد، وأحب أن يبقى له ذكرها، جعل تلك الكرامة على لسان نبيه أو خليفته. وهذه كرامة خصصت بها، مال إليها ذهني، وشغل بها فكري.
يقول أبو بكر: فلو انقلبت السماء على الأرض ما أحسست بها ولا وجمت لها إلا بما يلزمني في نفسي لأمير المؤمنين.
فقال أبو العباس: لئن بقيت لك، لأرفعن موضعا لا تطوف به السباع، ولا تنحط عليه النسور.
2- وكان أحد العلماء يقول: لم يتقرب العامة إلى الملوك بمثل الطاعة، ولا العبيد بمثل الخدمة، ولا البطانة بمثل حسن الاستماع.
3- وكان روح بن زنباع - وزير عبد الملك بن مروان- يقول: إن أردت أن يمكنك الملك من أذنه، فأمكن أذنك من الإصغاء إليه إذا حدث.
4- وكان أسماء بن خارجة الفزاري يقول: ما غلبني أحد قط غلبة رجلٍ يصغي إلى حديثي.
5- وكان معاوية يقول: يغلب الملك حتى يركب بشيئين: بالحلم عند سورته، والإصغاء إلى حديثه.

اقرأ أيضا:

"واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة".. هل سمعت هذا المعنى من قبل؟

من أخلاق الملك:

1-إذا قرب إنساناً أو أنس به حتى يهازله ويضاحكه، ثم دخل عليه بعد، أن يدخل دخول من لم يجر بينهما أنس قط، وأن يظهر من الإجلال له والتعظيم والاستحياء أكثر مما كان عليه قبل، فإن أخلاق الملوك ليست على نظام.
2- ومن أخلاقهم: أن لا تكون أخلاقهم معروفة، فيتمثل عليها، ويعاملون بها.
 ألا ترى أن الملك قد يغضب على الرجل من حماته، والرجل من حماته وبطانته، إما لجنايةٍ في صلب مالٍ، أو لخيانة حرمة الملك، فيؤخر عقوبته دهراً طويلاً، ثم لا يظهر له ما يوحشه حتى يتقي ذلك في اللحظة والكلمة والإشارة وما أشبه ذلك.
3- الملوك وأبناؤهم، ليست تقاس أخلاقهم، ولا يعاير عليها. إذ كان أحدهم يضع أعدى خلق الله له بين أذنه وعاتقه، وعلى، فتطول بذلك المدة، وتمر به الأزمنة، وهو لو قتله في أول حادثةٍ تكون، وعند أول عثرةٍ يعثر، لم يكن بين هذه القتلة وبين الأخرى بعدها بعشرين سنة فرق، إذ كان لا يخاف ثاراً، ولا في الملك وهناً.