لا يخلو بعض التائبين من مواقف معينة تخطر على بالهم تذكرهم ببعض الذنوب التي اقترفوها وتابوا منها..
أحوال الناس مع الخواطر السيئة:
وفي هذه الحالة يختلف حال هذا التائب بين متلذذ بهذه الذنوب ويذهب بخاطره ويتجول فيما كان يفعله، على خلاف آخر حين يتذكر معصيته يستغفر ويجدد التوبة والأوبة والرجوع إلى الله تعالى.
وهذه الحالات المختلفة هي محل أسئلة لبعض التائبين يسألون فيها عن صحة توبتهم .. وهل مجرد تذكر المعصية والتلذذ بها يقدح في التوبة.
والمعلوم شرعا أن لا يحاسبك الله على ما يدور ببالك من هذه الخواطر؛ فإن الله برحمته تجاوز لهذه الأمة عما حدثت به أنفسها، ما لم تعمل، أو تكلم.
لكن ومع هذا فلا ينبغي إطلاق العنان للنفس حتى تدمن الفكر في ذلك الماضي، وتذكر الالتذاذ بتلك المعاصي، قد يكون ذريعة لمعاودتها، والرجوع إليها؛ لأنه كثيرًا ما تبدأ بالفكرة وتنتهي بالوقوع في المعصية ثانية .. فالمعصية تبدأ بخاطرة.
من هنا كان النصح موجهًا لأهمية أن يحفظ المسلم خواطره ولا يترك لنفسه العنان وعليه أن يشغل فكره بما ينفعه في أمر دِينه ودنياه.
كما أن حفظ الخواطر وحراستها من أهم أبواب العبودية، التي يعنى بها الصالحون، وفيها سدّ لأبواب الهمّ بالمعصية، فضلًا عن مواقعتها، ومجاراة النفس والهوى يقود الإنسان إلى المهاوي.. ودفعها في بادئ الأمر أيسر من متابعة التفكير فيها.
خطر الخواطر السيئة:
إن مما يعظم شأنه أن تجتمع على المسلم الخواطر الرديئة فهي إن اجتمعت على إنسان أهلكته؛ فهي من كيد الشيطان ومكره يريد أن يصدك بها عن عبادتك ويشغلك عن طاعتك، ومن يعلم ذلك عليه أن يحتاط لنفسه فالأمر في بادئه هين ويصعب بالتمادي حيث يتعلق القلب بالمعصية ثانية وكلما تعلق كلما صعب الأمر ويحتاج لمضاعفة المجاهدة.
حراسة الخواطر وحراستها:
أما فيما يخص المؤاخذة الشرعية على تذكر المعاصي والتفكر في الماضي بذنوبه فإن من رحمة الله تعالى بعباده أنه لم يؤاخذهم بهذه الخواطر وتلك الأفكار، فقد تجاوز الله تعالى لهذه الأمة ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل، أو تكلم، كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعليه فلا إثم على من يقع في مجرد هذه الخواطر ولكن عليك بمجاهدتها؛ لأن الاسترسال معها قد يجر إلى ما لا يحمد.
حراسة الخواطر وحراستها:
قلب المؤمن كالوعاء يحتاج أن ينقى كل فترة مما يعلق به ومتابعة نظافته من الشوائب وهي في هذه الحالة المعاصي كبيرها وصغيرها، ولما كانت الخواطر الرديئة والأفكار السيئة هي الباب الأول للمعصية كان سدا لازما وبهذا تكون حراسة الخواطر بدفع كل ما يعلق بالذهن مما يضر صاحبه في الآخرة سواء معصية فعلها وتاب منها او معصية لم يفعلها ويزينها الشيطان له.. فالمسلم الواعي هو من يدرك أهمية الخواطر وينقيها، ويمنع الشيطان من بذر بذور الشر فيه، فإن الخواطر هي مبدأ الأعمال السيئة، قال ابن القيم ـ رحمه الله: قاعدة في ذكر طريق يوصل إلى الاستقامة في الأحوال والأقوال والأعمال: وهي شيئان:
أحدهما: حراسة الخواطر وحفظها والحذر من إهمالها والاسترسال معها، فإن أصل الفساد كله من قبلها يجيء لأنها هي بذر الشيطان والنفس في أرض القلب، فإذا تمكن بذرها تعاهدها الشيطان بسقيه مرة بعد أخرى حتى تصير إرادات ثم يسقيها بسقية حتى تكون عزائم، ثم لا يزال بها حتى تثمر الأعمال.
متى يؤاخذ الإنسان على خواطره؟
فإن دفع المسلم الخواطر الرديئة فهو بهذا يجاهد نفسه الأمارة بالسوء ويجدد توبته وينقي قلبه ويحفظه ويحرسه وهو لا يؤاخذ كما مر على الأفكار التي يقذفها الشيطان في طريقه ما دام يدفعها، أما إذا صارت هذه الخواطر إرادات ثم تحولت إلى عزمات ثم صارت أفعالاً يكتسبها العبد بجوارحه فإنه حينئذ يكون مؤاخذاً عليها، ولا فرق في ذلك بين المراهق وغيره ما دام قد بلغ الحلم، فإن العبد يجري عليه القلم ببلوغه الحلم فيكتب عليه من حينئذ ما يعمله من خير، أو شر.. ولذا جاءت أهمية دفع الأفكار اولا بأول حتى لا يقع المسلم تحت غوائل وشباك الشيطان التي ينسجها على فكره فتقيد حركته للخير.