لا يشك مسلم في أن الطعام رزق من الله تعالى لعباده، وأن هذا الرزق يتحصل بالسعي الجاد بالطرق المشروعة التي شرعها الله تعالى.
وان هذا السعي أيا كان فهو له ثوبا كبير عند الله وأن أفضل ما يأكله العبد هذا الذي يأكله من عمل يده؛ ففي الصحيح يقول النبي ﷺ: ما أكل أحد طعامًا خيرًا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده عليه الصلاة والسلام، وهذا يحث على كسب الحلال والحرص على طلب الحلال من حدادة أو خرازة أو نجارة أو غير ذلك من أعمال اليد، مع النصح وأداء الأمانة في العمل، هذا كسب حلال ومن ذلك الزراعة فإنها من أعمال اليد والكتابة فإذا نصح الإنسان في ذلك وأدى ما ينبغي فهذا من أطيب الحلال. نعم.
آداب الطعام:
وأغلب الناس لا يفرقون بين الرزق بمعناه العام وبين الطعام الذي يعتبرونه الرزق الذي يتحصلون عليه من السعي وأيا ما كن الأمر فإن للطعام آداب ينبغي على المسلم الحفاظ عليها ومراعاتها منها:
-الأكل مما يليك وهو سنة لا واجب. قال البهوتي في شرح الإقناع: (وَ) يُسَنُّ (أَنْ يَأْكُلَ بِيَمِينِهِ وَمِمَّا يَلِيهِ وَيُكْرَه تَرْكُهُمَا)، لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ «كُنْتُ يَتِيمًا فِي حِجْرِ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ، فَقَالَ لِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَا غُلَامُ: سَمِّ اللَّهِ، وَكُلْ بِيَمِينِكِ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ.» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
-الأكل باليد اليمنى وقد أوجب بعض العلماء الأكل باليمين، وحرَّم الأكل بالشمال، وإن كان ذلك عند الجمهور سنة.
-التسمية في ابتدائه: وأوجب بعض العلماء التسمية في أول الطعام، ومذهب الجمهور أنها سنة.
-أن يكون الرزق طيبا مباحا حيث يجب إطابة المطعم، وأن يكون من حلال. قال المرداوي: وقال ابن الْبَنَّا: قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: فِي الْأَكْلِ أَرْبَعُ فَرَائِضَ: أَكْلُ الْحَلَالِ، وَالرِّضَا بِمَا قَسَمَ اللهُ، وَالتَّسْمِيَةُ عَلَى الطَّعَامِ، وَالشُّكْرُ لِلهِ -عَزَّ وَجَلَّ- عَلَى ذلك.
-ومن المحرمات في الطعام ما قاله المرداوي في الإنصاف وعبارته: وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ أَخْذُ شَيْءٍ مِن الطَّعَامِ مِنْ غَيْرِ إذْنِ رَبِّهِ. فَإِنْ عَلِمَ بِقَرِينَةٍ رِضَا مَالِكِهِ، فَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: يُكْرَهُ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: يَتَوَجَّهُ أَنَّهُ يُبَاحُ.
عدم عيب الطعام وقد ذهب بعض العلماء لحرمة أن يعيب الطعام، قال المرداوي: وَيُكْرَهُ عَيْبُ الطَّعَامِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِن الْمَذْهَبِ. وَقَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ فِي الْغُنْيَةِ: يَحْرُمُ.
-عدم الأكل كثيرا بحيث يتضرر به آكله ويقعده عن العمل والنشاط والسعي فغن أثر عليه سلبا وأقعه عن القيام بالواجبات فهو حرام عند بعض أهل العلم؛ جاء في الإنصاف: وَكَرِهَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَكْلَهُ حَتَّى يُتْخَمَ. وَحَرَّمَهُ أَيْضًا. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ، فهذا بعض ما قيل بوجوبه وتحريمه من آداب الطعام.