حينما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ووجد اليهود يصومون العاشر من المحرم فلما سأل عن سبب صيامهم هذا اليوم أجابوا بأن هذا يوم نجى الله فيه موسى فلذا هم يصومون فرد النبي نحن أحق بموسى منهم وصامه.
إن يوم عاشوراء وهو اليوم العاشر من المحرم يعد ذكرى إسلامية لنا نتذكر فيها موسى عليه السلام ودعوته وكم صبر وكم تحمل وهو من ذوي العزم من الرسل .. تحمل الكثير من ظلم فرعون وجنوده أذوا وهموا بقتلهم تجبروا وتكبروا في ردودهم عليه لكن موسى عليه السلام لم يجزع قط ولم ييئس من إظهار الحق بدليله وامتثل أمر الله له حين قال: "وقولا له قولاً لينًا لعله يتذكر أو يخشى".
نجاة موسى دلالة توفيق من الله:
إن حسن توكل موسى على الله تعالى وحرصه على تطبيق ما أمره الله به فلم يدخر جهدا في تبليغ دعوة الله لهذا الطاغية العاتي الذي ادعى الربوبية حين قال : أنا ربكم الأعلى..
وحين قال : ما علمت لكم من إله غيري.. أمام هذه الغطرسة والتكبر والتجبر تعامل موسى عليه السلام مع الأمر برفق ولين وحكمة عالية وراح يدعوه ويبين له الحقائق بطرق ومن يتأمل حوار موسى مع فرعون في سورة الشعراء يدرك كم تدرج موسى عليه السلام وصبر أمام هذا التعنت المبالغ فيه وهذه لمحة بسيطة من هذا الحوار الماتع الذي يبين لين موسى في دعوته وحرصه على هداية الناس ولم ينتصر لنفسه قط أمام ردود فرعون المستفزة له: "قالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ، قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُم مُّوقِنِينَ، قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ، قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الأَوَّلِينَ، قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ، قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ، قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ، قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُّبِينٍ، قَالَ فَأْتِ بِهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ، فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ، وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاء لِلنَّاظِرِينَ، قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ، يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ.. " وهنا يبدأ شوط آخر المتحدي والغطرسة يريد فيها فرعون إثبات أنه على حق وأنه يتمسك بأحقيته في الطاعة والولاء فيجمع السحرة ويجمع الناس ويضربون موعدا للتحدي لكن الله يؤيد موسى الذي وهب حياته لله وأيده بمعجزته لتنقلب العصا ثعبانًا مبينًا فاغرًا فاه تلتهم كل ما وقعت عليه من الأحبال والعصي الذي خيل للناس أنها ثعابين وحياة..
الثقة في الله طريقك للفوز:
وأمام هذا التأييد الرباني لعبده ونبيه موسى عليه السلام جاءت هدية ربانية له لم تكن تخطر له على بال فالسحرة الذين جاء بهم فرعون ليؤيده وينصروه أسلموا وأذعنوا لدعوة موسى وآمنوا بالله رب العالمين ولم يخيفهم فرعون بتهديده ووعيده لأنهم رأوا الحق بدليله ومن كان هذا حاله يؤمن إيمان الموقف ويثبت على دعوته يقول تعالى: فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ، قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ، رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ، قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ، قَالُوا لا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ، إِنَّا نَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَن كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ..".
نجاة موسى نجاة لنا جميعا:
لقد انتصر موسى على فرعون في هذه الموقف ولقنه درسا لن ينساه وبهذه الهزيمة ثارت حفيظة فرعون وجمع جنده حينما علم أن موسى فر بمن معه من المؤمنين..
نعم أمر الله موسى بالرحيل عن هذه الأرض لأن فرعون لن يتركه يعيش وقد بدد ملكه وأسقط هيبته وأقنع الناس بدعوته.. ولذا حينما علم أن موسى أخذ من معه من المؤمنين تتبعهم يريد قتلهم وإبادتهم، وفي هذا يقول القرآن: وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ، فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ، إِنَّ هَؤُلاء لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ، وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ، وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ..".
يقين موسى في تأييد الله له:
لقد خرج موسى مستجيبًا لأمر الله فهو بذلك خرج في سبيل الحق وتنفيذ أمر الله له بالرحيل.. ومن كان هذا حاله حري بأن ينصر وبأن يؤيد من الله؛ ولذا فإن موسى يرى الحق والتأييد والنصر في كل خطوة كان يخطوها حتى إنه لما علم أن فرعون يتبعهم وقالوا المؤمنون الذين معه إنا لمدركون لم يتردد موسى في النفي وبسرعة قال كلا.. قالها موسى يقلبه ويقينه ولسانه موسى لم يشك لحظة في نصر الله له .. وفي تأييد الله له.. هو لا يعلم بالضبط كيف ستكون صورة النجاة في هذا لموقف الذي انتهت فيه كل الأسباب؛ فالعقل يقول ما هي إلا لحظات بسيطة ويموتون جميعا فالعدو خلفهم والبحر أمامهم لكن يقين موسى في نصر الله يجعله يرى النصر ويتذكر أن النصر لن يكون إلا بسبب معية الله لا غير.. فيقول : كلا إن معي ربي سيهدين.. وهنا تتفتح السماء وينزل الوحي وتأتي آية لم يتصورها عقل يا لها من لحظات .. تتبدد فيها الأحزان.. وتتجدد الآمال .. فالحياة تفتح أبوابها من جديد أمام المؤمنين الواثقين بنصر الله.. والسماء هنا تعانق الأرض وتنتصر إرادة الخير المؤيدة من السماء وقل جاء الحق وزهق الباطل.. رحمات السماء تتنزل على أهل الموقف ماذا حدث إنه يوم النجاة يوم الفوز يوم تجدد الثقة في وعد الله لأنبيائه ولكل من سار على طريق الأنبياء.
نصر الله آت لا محالة:
فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم.. شق الله لهم طريقا في البحر يبسًا وأمرهم بالعبور ووعدهم بالفوز ..لا تخف دركًا ولا تخشى.. وهذا الله يفعل مع المؤمنين في كل موقف يصعب عليهم فهمه ويعن عليهم تأويله ويستحيل أماهم تفسيره فإن ضاقت بك الدنيا فقل يا الله.. يفتح لك السماء ويتنزل عليك الخير .. لقد عبر موسى بالمؤمنين فيما غرق فرعون ومن معه أجمعين.. إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ، وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ" .. يوم انتصر فرعون يوم انتصر الحق على الباطل يوم عاشوراء .. يوم النجاة لنا جميعًا يوم أن نعلم أن من يسير على طريق الحق لا يماري ولا يرائي ولا ينافق ويجاري يبلغ دعوة الله، ويخلص في عبادته يومها يرى النصر قادم والباطل زهوقا..