يظن بعض الناس أن علم تعبير الرؤى رجم بالغيب، وأنه لا حقيقة له. والحقيقة أن علم الرؤى والتعبير أحد العلوم التى اهتم بها الإسلام واعتنى بها، وتطرق لها القرآن الكريم فى مواضع كثيرة منها قوله تعالى: (وَكَذَٰلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ... ) (يوسف 6)، وقوله تعالى: (وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِى الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ ۚ) (يوسف21). وقال عز وجل: (قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيَكُمَا ۚ ذَٰلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِى رَبِّى ۚ) (يوسف 37).
والمراد بتأويل الأحاديث هو: تأويل الرؤى، وقد سماه الله علما. وقال السعدى عند تفسيره سورة يوسف إن علم تفسير الرؤيا من العلوم الشرعية ويثاب الإنسان على تعلمه وتعليمه، وإن تعبير الرؤيا داخل فى الفتوى لقوله للفتَيين: (قُضِى الْأَمْرُ الَّذِى فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ) (يوسف41). وقال الملك: (أَفْتُونِى فِى رُؤْيَايَ) (يوسف 43). وقال الفتى ليوسف: (أَفْتِنَا فِى سَبْعِ بَقَرَاتٍ) (يوسف 46). فلا يجوز الإقدام على تعبير الرؤيا من غير علم. وشملتها أيضا سنة النبى صلى الله عليه وسلم فكان صلى الله عليه وسلم يعبر الرؤى لأصحابه ويهتم ويستبشر بها، بل ويسأل أصحابه عنها، فعن سَمُرَةُ بْن جُنْدَبٍ رضى الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِمَّا يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ لأَصْحَابِهِ: هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ رُؤْيَا. قال: فَيَقُصُّ عَلَيْهِ مَنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُصَّ..) رواه البخاري.
فعلم تعبير الرؤى من العلوم رفيعة المقام، وكان الأنبياء صلى الله عليهم وسلم يعدونها من الوحى؛ فعن أبى هريرة رضى الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (رُّؤْيَا المؤمن جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ). رواه الشيخان. فعلم الرؤيا له علاقة بعلم النبوة. وعن أبى هريرة رضى الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لم يبق من النبوة إلا المبشرات) قالوا: وما المبشرات؟ قال: (الرؤيا الصالحة) رَوَاهُ البُخَارِي.
اقرأ أيضا:
ما هو الفرق بين البيت العتيق والبيت المعمور؟ ومكان كل منهما؟ومن شرف الرؤيا أيضا أن المولى عز وجل خص بها المؤمنين المتقين فى قوله تعالى: (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّـهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَىٰ فِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِى الْآخِرَةِ ۚ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّـهِ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (يونس 62: 64). ذكر بعض المفسرين أن البشارة فى الدنيا هى الرؤيا الصالحة التى يراها المؤمن أو تُرى له، وله ما يسره فى الدارين فى الدنيا والآخرة، ففى الدنيا تبشرهم الملائكة عند الاحتضار برضوان الله ورحمته.
وذكر الطبرى أن البشارة تكون بالرؤيا الصالحة وبشارة الملائكة عند الموت وبشارة الآخرة هى الفوز العظيم وجنات النعيم كما قال سبحانه وتعالى: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وأبشروا بِالْجَنَّةِ الَّتِى كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِى الْآَخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِى أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ 32) فصلت (30: 32).
واختلف المفسرون أيضًا فى البشارة فمنهم من قال إنها الرؤيا الصالحة، واحتجوا بحديث المبشرات حين سأل أبو الدرداء عن البشرى فى قوله تعالى: (لَهُمُ الْبُشْرَىٰ فِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِى الْآخِرَةِ) (يونس 64)؛ فعن أبى الدرداء قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها فقال: ما سألنى أحد عنها غيرك منذ أنزلت هى الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو تُرى له. أخرجه الترمذى فى جامعه.
وقال الزهرى وعطاء وقتادة: هى البشارة التى تبشر بها الملائكة المؤمن فى الدنيا عند الموت. وقال الحسن: هى ما يبشرهم الله تعالى فى كتابه من جنته وكريم ثوابه لقوله: يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان، وقوله: وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات. وقوله: وأبشروا بالجنة التى كنتم توعدون. ومنهم من قال إن البشارة هى ثناء الناس على العبد، واحتجوا بحديث أبى ذر رضي الله عنه أنه قال: يا رسول الله، الرجل يعمل العمل ويحمده الناس عليه. قال: تلك عاجل بشرى المؤمن. رواه مسلم. والبشارة تشمل ذلك كله إذ لا تعارض بين كل هذه الأقوال، والمؤمن يبشَّر بالرؤيا الصالحة وببشارة الملائكة عند موته، وبالبشارة العامة فى القرآن الكريم وبثناء الناس عليه. والله أعلم.