كشفت دراسة حديثة فشل كل الدراسات السابقة في الوصول لأسباب عدم تذكر سنوات الطفولة الأولى في حياتنا، بالرغم من استيعابنا لكل ما كان يحدث لنا في هذه السنوات الخمسة الأولى.
وقالت دراسة نشرتها شبكة "سي إن إن" الأمريكية، إنه عندما نحاول التفكير بذكرياتنا الأولى، غالبًا ما يكون من غير الواضح ما إذا كانت حقيقة أم أنها مجرد ذكريات تستند إلى صور وقصص يرويها لنا آخرون.
وكانت الظاهرة، التي تعرف باسم "فقدان ذاكرة الطفولة" محيرة لعلماء النفس لأكثر من قرن، وما زلنا لا نفهمها تمامًا.
وربما سبب عدم تذكرنا لطفولتنا هو أن الرضع والأطفال ليس لديهم ذاكرة مكتملة النمو. ولكن، يمكن للأطفال الذين لا تتجاوز أعمارهم 6 أشهر تكوين ذكريات قصيرة المدى تدوم لدقائق وذكريات طويلة المدى تستمر لأسابيع، إن لم يكن شهورًا.
وبالطبع، لا تكون قدرات الذاكرة في هذه الأعمار شبيهة بقدرات الراشدين، فهي تستمر بالنضج حتى سن المراهقة.
وفي الواقع، تم طرح التغييرات التطورية في عمليات الذاكرة الأساسية كتفسير لفقدان ذاكرة الطفولة، وهي واحدة من أفضل النظريات التي لدينا حتى الآن.
وتتضمن هذه العمليات الأساسية عدة مناطق في المخ، وتشمل تكوين الذاكرة والحفاظ عليها، ثم استعادتها لاحقًا.
اقرأ أيضا:
ما هو الفرق بين البيت العتيق والبيت المعمور؟ ومكان كل منهما؟ويمكن أن تساعد قدرة الطفل على رواية قصة ما وقت حدوثها على التنبؤ بمدى تذكره لها بشكل جيد بعد مرور شهور أو سنوات.
وأجرت إحدى المجموعات المختبرية هذا العمل من خلال مقابلة الأطفال الصغار الذين تم إحضارهم إلى أقسام الحوادث والطوارئ لإصابات الأطفال الشائعة.
وكان الأطفال الصغار الذين تزيد أعمارهم عن 26 شهرًا، وكان بإمكانهم رواية الحدث، قد تذكروا ذلك لمدة تصل إلى 5 سنوات. وفي حين أن الأطفال الذين تقل أعمارهم عن هذا السن، ولم يتمكنوا من رواية الحدث، قد تذكروا القليل أو لا شيء مطلقًا.
وتركز معظم الأبحاث حول دور اللغة على شكل معين من أشكال التعبير يسمى السرد، ووظيفته الاجتماعية. وعندما يتذكر الآباء مع أطفال صغار جدًا الأحداث الماضية، فإنهم يعلمونهم ضمنيًا مهارات السرد، أي ما هي أنواع الأحداث المهمة التي يجب تذكرها وكيفية تنظيم الحديث عنها بطريقة يمكن للآخرين فهمها.
وعلى عكس إعادة سرد المعلومات لأغراض واقعية، فإن استعادة الذكريات تدور حول الوظيفة الاجتماعية لمشاركة الخبرات مع الآخرين.
وبهذه الطريقة، تحافظ القصص العائلية على إمكانية الوصول إلى الذاكرة مع مرور الوقت، وتزيد أيضًا من تماسك السرد، بما في ذلك التسلسل الزمني للأحداث وموضوعها ودرجة انفعالاتها.
وتحمل الذكريات وظائف اجتماعية مختلفة في ثقافات مختلفة. وعلى سبيل المثال، يميل البالغون في الثقافات التي تقدر الاستقلالية (أمريكا الشمالية وأوروبا الغربية) إلى الإبلاغ عن ذكريات الطفولة المبكرة وأكثر من البالغين في الثقافات التي تقدر الترابط (آسيا وأفريقيا).
ففي الثقافات التي تروج لمفاهيم ذاتية أكثر استقلالية، تركز ذكريات الوالدين بشكل أكبر على تجارب الأطفال الفردية وتفضيلاتهم ومشاعرهم، وبدرجة أقل على علاقاتهم مع الآخرين والروتين الاجتماعي والمعايير السلوكية.
ومع تقدم علم الأعصاب، سيكون هناك بلا شك المزيد من الدراسات التي تربط نمو الدماغ بتطور الذاكرة. ويجب أن يساعدنا هذا في تطوير مقاييس أخرى للذاكرة إلى جانب التقارير الشفهية.
وفي غضون ذلك، يجب أن تعرف أنه رغم عدم تمكننا من تذكر أحداث معينة منذ الصغر، فإن تراكمها يترك آثارًا دائمة تؤثر على سلوكنا.
وربما السنوات القليلة الأولى من حياتنا يمكن نسيانها، إلا أنها تبقى قوية في تشكيل الشخصيات البالغة التي نصبحها.