على خلاف الشائع من أن جسم الإنسان عند وصوله إلى منتصف العمر تتباطئ لديه عملية التمثيل الغذائي، حيث يبدأ في التمدد والترهل، ويصبح أقل نشاطًا، أظهرت دراسة حديثة استقرار عملية حرق الطعام من سن الشباب حتى الكهولة.

ووفقًا للدراسة، فإن التمثيل الغذائي يصل إلى ذروته في عمر عام واحد، ثم ينخفض تدريجيًا خلال سنوات الطفولة والمراهقة، حتى يصل إلى مستوى ثابت بشكل مدهش طوال مرحلة البلوغ، حسبما أفاد باحثون في عدد يوم الجمعة من مجلة "العلوم".

قال الباحث الرئيسي هيرمان بونتزر، الأستاذ المشارك في الأنثروبولوجيا التطورية في جامعة ديوك في دورهام الأمريكية: "إن استهلاك الطاقة مستقر حقًا طوال فترة البلوغ، من 20 إلى 60 عامًا".

وأضاف وفقًا وكالة "يو بي آي": "غالبًا ما يرغب الناس في إلقاء اللوم على معدلات التمثيل الغذائي في مشكلات السمنة"، لكنه أكد أن هذا غير صحيح في الواقع.

قالت روزالين أندرسون، أستاذ طب الشيخوخة في جامعة ويسكونسن: "إنه أمر مدهش. كان الجميع يتوقع أن يرى شيئًا ما يتغير في منتصف العمر، من 35 إلى 45 عامًا. نعلم جميعًا في ذلك الوقت أن كل شيء يتباطأ قليلاً. ولكن بناءً على هذا، يبدو أن هؤلاء قد يكونون نوعًا ما أشياء تتعلق بنمط الحياة. إنه بالتأكيد ليس تغيرًا فطريًا في عملية التمثيل الغذائي".

عملية التمثيل الغذائي

خلال الدراسة، قام الباحثون بتحليل متوسط السعرات الحرارية التي يحرقها حوالي 6600 شخص، تتراوح أعمارهم من 8 أيام إلى 95 سنة، أثناء ممارسة حياتهم اليومية في 29 دولة حول العالم.

قال الباحثون إن معظم دراسات التمثيل الغذائي تقيس مقدار الطاقة التي يستخدمها الجسم لأداء الوظائف الحيوية الأساسية، مثل التنفس أو هضم الطعام أو ضخ الدم، لكن هذا يمثل فقط حوالي 50 في المائة إلى 70 في المائة من السعرات الحرارية التي يحرقها البشر يوميًا.

ولا تأخذ في الاعتبار الطاقة التي يستهلكها الناس عند الحركة، تنظيف المنزل، تمشية الكلب، التمرين، وحتى التململ.

قال بونتزر إن هذه الدراسات لا تأخذ في الحسبان أيضًا الطاقة الإضافية التي يحرقها البشر بمجرد أن يصبحوا بالغين أكبر مما هم عليه مثل الأطفال.

وأضاف: "كلما كبر الناس، يحرقون المزيد من الطاقة. بالطبع أنت تفعل ذلك، لأنه إذا كان لديك المزيد من الخلايا، فأنت بحاجة إلى المزيد من السعرات الحرارية."

لتفسير كل هذا، اعتمد الباحثون على طريقة "المياه ذات العلامات المزدوجة" لتتبع استهلاك الطاقة، والتي تعتبر المعيار الذهبي لدراسات التمثيل الغذائي منذ الثمانينيات.

يشرب الناس الماء الذي تم فيه استبدال ذرات الهيدروجين والأكسجين في جزيئات الماء بأشكال "ثقيلة" تحدث بشكل طبيعي. ثم تُظهر اختبارات البول مدى سرعة التخلص منها، مما يوفر تقديرًا دقيقًا لاستهلاكات الطاقة اليومية في الحياة اليومية العادية.

أعطت البيانات المجمعة حول عملية الأيض من مختبرات متعددة في قاعدة بيانات واحدة، الباحثين فرصة لإلقاء نظرة أوسع على كيفية تغير الطريقة التي يحرق بها الأشخاص السعرات الحرارية مع تقدمهم في العمر.

وأشار بونتزر إلى أنه تبين أن الأطفال حديثي الولادة يأتون إلى العالم بعملية أيض مشابهة لتلك التي لدى البالغين.

وقال "عندما يولد الأطفال، تكون أجسامهم نشطة كما تتوقعون لو كانوا بالغين صغارًا". بعد الولادة بفترة وجيزة، تبدأ عملية التمثيل الغذائي تتزايد عندما يبدأ الأطفال في النمو، ثلاثة أضعاف مما هم عليه عند ولادتهم.

وأضاف بونتزر: "الخلايا تندفع بسرعة وتطلق استهلاكك للطاقة بنسبة تصل إلى حوالي 50 في المائة أعلى مما كنا نتوقعه بالنسبة لحجم جسمك عند بلوغك سنة واحدة".

وأوضح أن هذا أمر منطقي، بالنظر إلى ما تعلمناه عن النمو في الطفولة. قال بونتزر: "أنت لا تنمو في الحجم فقط. يقوم دماغك بإنشاء روابط جديدة بين خلايا الدماغ، لمساعدتك على التعلم. نظام المناعة لديك ينضج. أنت لا تضيف خلايا جديدة فحسب، بل تنشط هذه الخلايا بطريقة مختلفة عن تلك الموجودة مع البالغين".

اقرأ أيضا:

انتبه.. قلة النوم في منتصف العمر تؤثر على صحة الدماغ

تباطؤ في عملية الحرق حتى سن العشرين 

بعد زيادة الطاقة الأولية في مرحلة الطفولة، يتباطأ التمثيل الغذائي بحوالي 3 في المائة كل عام حتى تصل إلى العشرينات من العمر، حيث تستقر في المستويات الطبيعية الجديدة التي سيتم الحفاظ عليها طوال فترة البلوغ.

على الرغم من حدوث طفرات في النمو خلال سنوات المراهقة، إلا أن الباحثين لم يلحظوا أي زيادة في احتياجات السعرات الحرارية اليومية للمراهقين بعد أن أخذوا حجم الجسم في الاعتبار.

قال بونتزر إنه في سن الستين، يبدأ التمثيل الغذائي في الانخفاض حيث تصبح الأعضاء والخلايا أقل نشاطًا وأقل نشاطًا، موضحًا أن التباطؤ يسير بشكل تدريجي، حوالي 0.7 في المائة فقط في السنة، لكنه يزداد.

وأضاف: "إن استهلاك للطاقة بنسبة 25 في المائة أقل مما كنا نتوقعه بالنسبة لحجم جسمك بحلول الوقت الذي تكون فيه في التسعينيات من العمر".

قالت أندرسون إنها فوجئت بشكل خاص لأن الرجال والنساء لم يختلفوا على الإطلاق، "يظهرون إلى حد كبير نفس النمط عبر العمر."

وأظهرت النتائج أنه حتى أثناء الحمل، لم تزد احتياجات المرأة من السعرات الحرارية بعد أخذ الوزن الذي تكتسبه في الاعتبار مع نمو الجنين بداخلها.

وأشارت أندرسون إلى إن هذه النتائج يمكن أن تؤدي إلى تحول في مجالات طب الأطفال وكبار السن "على سبيل المثال، يجب أن تأخذ الدراسات المستقبلية في الاعتبار المعدلات المختلفة لعملية الحرق لأجساد الأطفال من خلال الطعام والأدوية".

وتابعت: "أعتقد أننا جميعًا عرفنا منذ فترة أن الأطفال ليسوا مجرد بالغين صغارًا، لكن هذا يظهر حقًا أنهم مختلفون تمامًا. أعتقد أن هذا سيكون مهمًا فيما يتعلق بإرشادات طب الأطفال وتوصيات النظام الغذائي، وعلى وجه الخصوص، العلاجات الدوائية للأطفال والمراهقين، لأن إعداد التمثيل الغذائي الخاص بهم مختلف تمامًا. إنهما مجرد كيانات مختلفة تمامًا".

قال كل من بونتزر وأندرسون إن هذه النتائج تظهر أيضًا أن للناس دورًا أقوى في تشكيل حجم أجسامهم طوال فترة البلوغ.

يمكن أن يكون لمراقبة ما تأكله وممارسة الرياضة بانتظام تأثير قوي على وزنك، خاصة مع دخولك منتصف العمر وتغير عاداتك.

قالت أندرسون: "اعتقد الجميع أن التمثيل الغذائي يتغير وهذا هو سبب حدوث هذه الأشياء. لكنني أعتقد أنه يتعين علينا إلقاء نظرة فاحصة ومعرفة ما إذا كانت أنماط السلوك هي التي تتغير في منتصف العمر، وليس التمثيل الغذائي الداخلي."