عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: انْظُرُوا إِلَى مَنْ هو أَسفَل مِنْكُمْ وَلا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوقَكُم؛ فهُوَ أَجْدَرُ أَن لا تَزْدَرُوا نعمةَ اللَّه عَلَيْكُمْ متفقٌ عَلَيْهِ، وهذا لفظ مسلمٍ.
وفي رواية البخاري: إِذا نَظَر أَحَدُكُمْ إِلَى مَنْ فُضِّلَ عليهِ في المالِ وَالخَلْقِ فلْيَنْظُرْ إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلُ مِنْهُ.
لا يأتي الرضا إلا إذا اقتنعت بما في يدك، ونظرت إلى من هو أسفل منك في الرزق والمال والسلطان والنعم التي أنعم الله بها علينا، فكم من مبتلى لا يملك ما تمتلكه من نعمة الصحة والولد الصالح، وكم من مبتلى في ماله ورزقه رغم كثرتها كأن تكون سببا لفساد أبناءه ونزع البركة منهم.
فالإنسان ربما لا يرضى بماله وعياله وصحته وزوجته إلا إذا نظر إلى ما هو دونه، في حين هناك بعض الناس لا يرضى أبدا لأنه لا يريد أن يرى من هو أفضل منه، فإذا نظر للنساء ظن أنهن كلهن جميلات إلا زوجته، قال تعالى: " وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ۚ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ (131) ".
ومنهم من ينظر إلى مال غيره وسيارته الفارهة ذات الماركة المشهورة فيلعن سيارته ومرزقه لمجرد أنه لا يملك مثل هذه السيارة، ومنهم من ينظر إلى بيت غيره وطعامه فيلعن بيته.
صورة ماكييلا ماروني
انتشرت صورة للاعبة الجمباز الأمريكية ماكييلا ماروني بعد فوزها بالميدالية الفضية في الألعاب الأولمبية في لندن عام 2012. قصة الصورة هي أن ماكييلا كان متوقعا لها الفوز بالميدالية الذهبية في مسابقة الوثب فوق الحصان و كانت في طريقها لتحقيق هذا الفوز لولا أنها تعثرت أثناء هبوطها مما أدى لفوزها بالفضية.
النظرة التي بدت على وجهها أثناء التكريم لم يكن هناك أي صعوبة في تفسيرها. كانت هي نظرة الخسارة و الحسرة و خيبة الأمل. الصورة انتشرت انتشارا واسعا أدى لشهرة ماكييلا ربما أكثر مما كان سيحدث فيما لو فازت بالذهبية .
اتضح فيما بعد أن ردة فعل ماكييلا هذه و عدم رضاها هو شيء يعرفه علماء السيكولوجيا وبعضهم يطلق عليه "عقدة الفائز بالفضية" و لها تفسير علمي يستحق التأمل.
اقرأ أيضا:
ما هو الفرق بين البيت العتيق والبيت المعمور؟ ومكان كل منهما؟تعبيرات وجوه الفائزين
في عام 1995 قام عالمان نفسيان في جامعة كورنيل بجمع صور التتويج بالميداليات في دورة الألعاب الأولمبية في برشلونة عام 1992 و عرضوها على مجموعة من الطلاب و طلبوا منهم أن يقيّموا تعبيرات وجوه الفائزين أثناء التتويج حسب مقياس للسعادة هو 10 إذا كان الفائز شديد السعادة و 1 إذا كان يبدو شديد الحزن أو الحسرة.
بعد التقييم قاموا بجمع و حساب العلامات و تبين أن الفائز بالفضية حصل على علامة 4.7 على مقياس السعادة بينما الفائز بالبرونزية و الذهبية حصلا على علامات متقاربة في حدود 7.5.
التفسير هو أن الفائز بالفضية لا يملك في أكثر الأحيان إلا أن يقارن نفسه بالفائز بالذهبية و يقول "كان ممكن أن أكون أنا الفائز". هذا الطريقة من التفكير يسميها العلماء "counterfactual" أو طريقة التفكير المنافية للواقع. حيث يقوم الشخص بتكوين فكرة بناء على واقع غير حقيقي.
الفائز بالبرونزية في المقابل يقارن نفسه بمن لم يفز بشيء و غالبا يقول في نفسه "أنا محظوظ أني فزت بشيء على الأقل".
هنا تبدو نسبية الأمور في تفكير الإنسان فهو لا يبدو عموما مهتما بالقيمة المطلقة لما أنجز أو كسب و إنما بقيمة ما كسب مقارنة بما حصل عليه غيره.
حتى يبرهن العلماء على ذلك قاموا، في دراسة أخرى، بسؤال مجموعة من الناس: هل تفضل أن تحصل على راتب سنوي مقداره 100 ألف دولار فيما يكون دخل من حولك هو 200 ألف دولار سنويا أم الحصول على راتب 50 ألف دولار بينما دخل من حولك هو 25 ألف. عِلما أن القوة الشرائية لل 50 ألف هي نصف القوة الشرائية لل 100 ألف. ماذا تعتقد كان جواب الناس؟ تقريبا نصف الذين سُئلوا اختاروا ال 50 ألف. لا لأي سبب سوى أن يكونوا أفضل من غيرهم مع أن ذلك يعني أنهم سيكونون أقل غنى.
من الواضح أن طريقة تفكير بعض الناس، و ربما معظمهم، في الحكم على قيمة ما يملكون فقط من خلال مقارنة أنفسهم بغيرهم يجعلهم يتخذون قرارات حمقاء و الأسوأ من ذلك يجعلهم أقل سعادة.
لا تكن كالفائزين بالميدالية الفضية الذي غفلوا عن قيمة ما يملكون بالنظر إلى ما في يد غيرهم و إلا لبدا ذلك في وجهك كما بدا في وجه ماكييلا.