لاشك أن الدروس المستفادة من الأيام العشر من ذي الحجة عديدة وكثيرة جدًا، لكن من أبرز وأهم هذه الدروس لاشك درس خطبة حجة الوداع، فها هو الرسول الأمين صلى الله عليه وسلم يقف في العام العاشر من الهجرة بين آلاف الصحابة، في أضخم حشد للمسلمين.. في مؤتمر الأمّة السنويّ يلتقي الرسول بأصحابه في حجّته الفريدة، في أضخم حشد للمسلمين.. وفي مؤتمر الأمة السنوي يلتقي بأصحابه في حجته الفريدة، ليختم لهم بأفضل ختام، وكأنه يلخص لهم الدين كله في هذه الخطبة.. يلخص 23 عامًا من الصبر والعمل في خطبة تحدث انقلابا فيما بعد، إذ يسير عليها كل صحابته الكرام، فيتحول الدين من نصر إلى نصر، ومن انتشار محلي إلى انتشار عالمي أوسع، مازال إلى الآن ينير للعالم كله طريق الحياة الصحيح.
معالم الإسلام الرئيسية
لقد وضع نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم في هذه الخطبة (خطبة الوداع) معالم الإسلام الرئيسية، التي تحدد علاقة الإنسان بنفسه وبربه وبالناس من حوله، وتبين لكل مسلم ملخص رسالة الإسلام في هذه الكلمات العظيمة، فها هو حديثه الشريف إلى الدنيا كلها (حاضرها ومستقبلها) من خلال المائة ألف إنسان.. يتحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي ذهنه مآسي الماضي من آثار الفرقة والنزاع، فهو صلى الله عليه وسلم يتحدث وفي عقله ذلك الرصيد الباقي من ذكريات مؤلمة عاشها العرب بلا إسلام ودين،، وبالتالي تراه يتحدث وعينه على مستقبل يتمنى أن يفهمه أتباعه وأن يلبوا فيه دعاء الله لهم بالسعي نحو الحياة، وصدق الله إذ يقول: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ» (الأنفال: 24).
اقرأ أيضا:
أخي العاصي لا تمل وتيأس مهما بلغت ذنوبك وادخل إلى الله من هذا الباب.. التوبةاكتمال الدين
ليست مجرد خطبة عادية، فهي الخطبة التي تضمنت الإعلان رسميًا عن اكتمال هذا الدين العظيم، فقد أتم الله هذه النعمة مصداقا لقوله سبحانه: «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا» (المائدة: 3)، وها هي دروس تلك الخطبة العصماء تتكرر في كل عام نستفيدها ونعيش معها، ولما لا وهي التي تضمنت النص صراحة على حرمة الدماء والأموال والأعراض، والتحذير من الربا والتأكيد على خطورته، واحترام قيمة المرأة وتقديرها ورفع مكانتها، والتأكيد على مبدأ المساواة بين الناس، والتحذير من الفرقة والتأكيد على قيمة الوحدة بين المسلمين، وتربية الأمة على منهج التيسير لا التشديد، وأخيرًا التنبيه على أهمية التمسك بالقرآن والسنة، لأنهما الخلاص من أي أذى أو تعب وفيهما كل الخير والحقيقة الكاملة.