على الرغم من النصائح والتحذيرات المتكررة بضرورة الابتعاد عن الملح، لأنه يرفع ضغط الدم ويزيد من فرص الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية والإصابة بسكتة دماغية قاتلة أو أزمة قلبية، لكن كانت المفاجأة حين أظهرت دراسة أنه قد يكون سببًا في إطالة العمر عند تناوله بشكل معقول.

ويقول الأطباء إن الملح الزائد يؤدي إلى احتباس الماء في الدم، مما يضغط على الأوعية الدموية، ويرفع ضغط الدم، وهو ما دفع الحكومة في بريطانيا إلى طلبها من البالغين استهلاك أقل من 6 جرام من الملح المضاف يوميًا، أي ما يزيد قليلاً عن ملعقة صغيرة.

وتذهب منظمة الصحة العالمية إلى أبعد من ذلك، إذ تقول إنه يمكن منع 2.5 مليون حالة وفاة كل عام على مستوى العالم إذا تم تخفيض استهلاك الملح إلى أقل من 5 جرام يوميًا للبالغين، وهو هدف التزمت جميع الدول الأعضاء فيها بتحقيقه بحلول عام 2025.

وفي بريطانيا، اقترحت الإستراتيجية الوطنية للغذاء، المراجعة المستقلة لنظام الغذاء في البلاد (برئاسة هنري ديمبلبي) فرض ضريبة بنسبة 6 في المائة على الأطعمة المالحة مثل اللحوم المصنعة.

نتيجة "مذهلة" 

لكن دراسة نُشرت في مجلة القلب الأوروبية مؤخرًا توصلت إلى نتيجة يصفها مؤلفها الرئيسي - الذي كان سابقًا مؤيدًا شغوفًا لتقليل تناول الملح - بأنها "مذهلة".

إذ وجدت أنه مع تناول ما يصل إلى ما بين 10 جرام إلى 12.5 جرامًا يوميًا - ضعف الحد الموصى به حاليًا في بريطانيا- يزداد متوسط العمر المتوقع بالفعل.

وهذا الاستنتاج يقلب رأس على عقب فكرة أن الملح يضر الإنسان، الأمر الذي أصاب البروفيسور فرانز ميسيرلي ، طبيب القلب في المركز السويسري لأمراض القلب والأوعية الدموية في جامعة برن في سويسرا الذي قاد الدراسة، بالدهشة، لأنه "طوال حياتي، كنت أوصي بتقليل الملح".

وأضاف: "لقد أخبرت مرضاي دائمًا ونشرت أوراقًا تقول إنه متى كنت تعاني من ارتفاع ضغط الدم أو ضغط الدم الطبيعي، يجب أن تقلل من تناول الملح".

بعد ذلك، في عام 2018، تمت دعوة البروفيسور ميسيرلي لكتابة افتتاحية دورية "لانسيت"، للتعليق على ورقة بحثية أعدها باحثون كنديون راقبوا 94378 بالغًا تتراوح أعمارهم بين 35 و 70 عامًا من 18 دولة لمدة ثماني سنوات.

وجد الباحثون أن تناول الملح مرتبط بأمراض القلب والأوعية الدموية والسكتات الدماغية، ولكن فقط في المجتمعات التي كان استهلاكها يزيد عن 12.5 جرامًا من الملح يوميًا.

وخلصوا إلى أن "استراتيجية الحد من الصوديوم في هذه المجتمعات والبلدان ولكن ليس في غيرها قد تكون مناسبة".

قال البروفيسور ميسيرلي، وفقًا لصحيفة "ديلي ميل"، إن نتائج الورقة أجبرته على تحدي معتقداته. "سألت نفسي، ما هي النصيحة التي نقدمها بشأن الملح تستند حقًا؟" لم يكن لدي أي دليل أقنعني أن هذه كانت فكرة جيدة، لذلك قلت لزملائي، "انظروا، إذا كان الملح بالفعل سببًا في الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية والوفيات، فإن تناول الملح بكميات كبيرة يجب أن يكون ضارًا. لذلك دعونا نلقي نظرة على العلاقة بين متوسط العمر المتوقع والوفيات وتناول الملح حول العالم".

قارن البروفيسور ميسيرلي وزملاؤه في بولندا وسويسرا والولايات المتحدة، استهلاك الملح ومتوسط العمر المتوقع في 181 دولة. وحصل الباحثون على أرقام استهلاك الملح من بحث نُشر في مجلة (BMJ Open) في عام 2013 من قبل مجموعة خبراء التغذية والأمراض المزمنة.

ونظرًا لأن تناول الملح الغذائي كان يُنظر إليه على نطاق واسع على أنه عامل خطر للإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية والوفاة المبكرة، كان من المتوقع أن يؤدي اتباع نظام غذائي غني بالملح إلى تقصير العمر.

اقرأ أيضا:

لمن يعانون الأرق.. نصيحة "غير عادية" للنوم خلال دقائق

زيادة متوسط العمر 

لكن كانت المفاجاة حين اكتشف الباحثون أن متوسط العمر المتوقع قد زاد مع زيادة استهلاك الملح. وفي حين لا يقدم البحث أي دليل حول ذلك، خلص البروفيسور ميسيرلي وزملاؤه إلى أن النتائج التي توصلوا إليها "تجادل ضد تناول الصوديوم الغذائي باعتباره السبب في تقليص العمر أو عامل خطر للوفاة المبكرة".

مع ذلك، توقف البروفيسور ميسيرلي عن تقديم توصيات بناءً على النتائج التي توصل إليها. وقال: "أنا أكره أن يكون لدي ورقة بدون رسالة منزلية، لكن من الصعب للغاية تقديم توصية. لا أعرف ما إذا كان بإمكاننا القول أنه يمكنك إنقاذ الأرواح عن طريق زيادة تناول الملح، على الرغم من أن الورقة يبدو أنها تظهر ذلك".

وأضاف أن "بعض الحقائق يصعب تجاهلها. إذا نظرت إلى السكان الذين لديهم أعلى متوسط عمر متوقع في العالم، فهم النساء في هونج كونج. ويعيشون في المتوسط 87 عامًا، وهؤلاء النساء، اللائي يبلغ متوسط وزنهن 56 كجم، يأكلن 9 جرام من الملح يوميًا، أي حوالي 1 جرام أكثر من الشخص العادي في المملكة المتحدة".

وتابع: "إذا قمت بتعديل المدخول حسب وزن الجسم، فإنهم يأكلون حوالي ضعف ما يأكله الرجل الأمريكي العادي، ومع ذلك يعيشون لفترة أطول بشكل واضح".

ويدعم البحث، الادعاءات التي قدمها في عام 2017 الدكتور جيمس دي نيكولانتونيو، عالم أبحاث القلب والأوعية الدموية في الولايات المتحدة، في كتابه (The Salt Fix).

الملح مفيد للصحة

بعد مراجعة أكثر من 500 ورقة بحثية عن استهلاك الملح وضغط الدم وأمراض القلب، خلص إلى أن الغالبية العظمى منا لا يحتاجون إلى مراقبة تناول الملح، وأن تناول المزيد من الملح سيكون مفيدًا للصحة.

ووجد الدكتور دينيكولانتونيو أن "ما يقرب من 80 في المائة من الأشخاص الذين يعانون من ضغط دم طبيعي ليسوا حساسين لتأثير الملح في رفع ضغط الدم على الإطلاق".

وأضاف: "حتى بين أولئك الذين يعانون من ارتفاع ضغط الدم الكامل، فإن حوالي 55 في المائة منهم محصنون تمامًا من تأثيرات الملح على ضغط الدم".

وصرح: "أشياء كثيرة تستنفد الملح في الجسم، مثل التمارين والكافيين والأدوية والعديد من الأمراض. الحصول على توصيات شاملة لاتباع نظام غذائي قليل الملح لا يفضي إلى كثير من الناس".

وتابع: "إذا كانت التمارين من أفضل الأشياء التي يمكننا القيام بها من أجل صحتنا ونفقد الملح من خلال العرق، فلا ينبغي لنا أن نطلب من الناس ممارسة الرياضة وفي نفس الوقت الحد من تناول الملح. هذا يمكن أن يؤدي إلى نقص الملح".

واستدرك: "علاوة على ذلك، ثبت أن نقص الملح يزيد من معدل ضربات القلب وهرمونات التوتر ومستويات الأنسولين - للاعتقاد بأن انخفاض طفيف في ضغط الدم (الذي قد يحدث أو لا يحدث مع تقييد الملح) يفوق هذه الأضرار هو افتراض كبير".

اقرأ أيضا:

دراسة: فرشاة الأسنان ورؤوس الدش مليئة بفيروسات هائلة

حساسية الملح

وتعزز نتائج الدراستين، الجدل الذي قسّم الرأي الطبي لعقود من الزمن حول أن نسبة صغيرة من الناس "حساسة للملح"، في حين أن الغالبية محصنة إلى حد كبير من آثارها السلبية.

ويتفق أحد علماء الأوبئة الرائدين في بريطانيا (الذي يدرس أسباب المرض)، ويتحدى ما يسميه "شرطة الملح".

وقال تيم سبيكتور، أستاذ علم الأوبئة الجينية في "كينجز كوليدج بلندن"، في كتاب (Spoon-Fed): إن هناك "أدلة متزايدة على أن بعض الناس يستجيبون بقوة أكبر للملح أكثر من غيرهم، ويعرفون بحساسية الملح"، لكنه يعترف بأنها نظرية "مثيرة للجدل".

في عام 2016، نشرت جمعية القلب الأمريكية بيانًا حول حساسية الملح سلط الضوء على الأبحاث التي "تشير بقوة" إلى أنها قد تكون ناجمة عن الاختلافات الجينية لدى البشر.