ترى البعض يغضب غضبًا شديدًا إذا منع الله عز وجل عنه أمرًا ما، وذلك لأنه يتصور أن هذا المنع إنما هو نهاية الكون، وأن الله -حاشى لله تعالى- يختصه دونًا عن باقي البشر في هذا المنع، ثم ما يلبث أن تمر أيام، أو شهور، فيرى بأم عينيه أن المنع كان الأفضل له، وأن الله عز وجل ما منعه إلا لأنه يعرف أن المنع في صالحه، وأن سيعيطه لاشك، لكن عطاءً هو الأعظم، بينما الإنسان ينظر تحت قدميه ولا يدري أين المصلحة، فيغضب دون وعي.
وفي ذلك يقول أحد الحكماء: «إن لله في منعه حكمًا كثيرة.. ولو علم الناس ما في المنع من أسرار وحكم لذابوا شوقًا إلى من منعهم ليعطيهم ومن حرمهم لينعم عليهم»، فقد قال الله تعالى: «وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ» (البقرة:216)، ويقول جل وعلا يؤكد أن المنع قد يكون فيه الخير كله: «لا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ» (النور:11).
المنع نعمة
إذن عزيزي المسلم، عليك أن ترضخ لقضاء الله وقدره، فإن ذلك حال المؤمن، دائمًا في خير مع المنع يصبر، ومع العطاء يشكر.
فعن أبي يحيى صهيب بن سنان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له»، ولله تعالى على عبده نعمة في عطائه كما له عليه نعمة في منعه، فالله تعالى لا يقضي لعبده المؤمن قضاء إلا كان خيراً له، ساءه هذا القضاء أو سره، لذا تأمل في قوله تعالى: «وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْراً* فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً» (الكهف:80-81)، ولتدبر الآية الكريمة، سترى أن الله عز وجل أرسل عبده الخضر يقتل هذا الغلام خشية على أبويه أن يحملهما حبه على متابعته في الكفر.
اقرأ أيضا:
لسخط الله تعالى علامات.. تعرف عليهابلاء العطاء
نحن كبشر نتصور أن المنع هو البلاء فقط، وإنما أيضًا في العطاء بلاء أيضًا، وهي أمور لا يعقلها سوى المؤمنين فقط، الذين يعون الرسالة جيدًا، ولما لا وهو الذي قال: «فَأَمَّا الْأِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ* وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ» (الفجر:15-16)، أي ليس كل من وسعت عليه رزقه أكرمته ولا كل من قدرت عليه الرزق أكون قد أهنته.