تعج الكرة الأرضية بالثروات والخير الوفير، لكن رغم كثرة الثروات وتنوعها، وعظم حجمها إلا أن الإنسان لا يجد ما يقيته أحياناً، بل إن الملايين من الناس يموتون جوعاً في كل عام، لتشكل أكثر من ثلث سكان العالم الذين تشملهم دائرة الفقر المدقع، بالرغم من إن متوسط الثروة العالمية بلغ الذروة عند 51600 دولار للفرد البالغ، لكنه موزع بتفاوت شديد، إذ يملك أغنى 10% ما نسبته 86% من تلك الثروة.
وقد أشار القرآن الكريم إلى مشكلة الفقر وأسبابها، كما اهتم النبي صلى الله عليه وسلم بهذه المشكلة، واستعاذ من الفقر والكفر وقرن بينهما، فقال “اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر، اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، لا إله إلا أنت” (رواه أبو داود).
لذلك حارب الإسلام قضية تضخم الثروة، وأمر بتدوير الأموال وعدم تكدسها في مورد واحد، وتدويرها لصالح الطبقة الكادحة والفقيرة من الناس، وربما أحيلت إلى الفوائد العامة كإنشاء المرافق والمباني والمنشآت التي تخدم عامة الجمهور.
فأسس الإسلام اقتصادًا متوازنًا، من خلال تدوير الأموال وتوزيعها بشكل عادل يُشّكل بمجمله حصانة اجتماعية لكل الطبقات في المجتمع، وهو ما يمنع بالضرورة تكدس الأموال عند فئة وانعدامها عند أخرى بما يصطلح عليه اليوم بالتضخم المالي، وهو ما يؤكده القرآن الكريم من خلال قاعدته الاقتصادية ((مَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ القرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي القربى واليتامى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ ۚ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ))(الحشر).
ومعنى {كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ} :بأن الفيء الذي يعود على بيت مال المسلمين بلا قتال , قسمه تعالى بين أهل الحاجة حسب الأولويات حتى لا يستقوي الأغنياء وأصحاب السلطان على فقراء المسلمين في الاستحواذ على مثل هذه الأموال , وذلك مراعاة لحقوق الضعاف وأهل الحاجات وخمس لله ولرسوله يصرف في مصالح المسلمين العامة.
ونزل الشرع بها واضحاً مبيناً حريصاً على هؤلاء من بطش أولي القوى.
فهذا يحقق التقوى , فما التقوى إلا تنفيذ الأمر والانتهاء عن المحرمات , وحذر الله عباده مغبة الوقوع أو التفريط وذكرهم بعقابه الشديد لمن خالف أمر رسوله صلى الله عليه وسلم.
قال تعالى:{مَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ ۚ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7) } [الحشر].
اقرأ أيضا:
الامتحان الأصعب.. 3 أسئلة تحصل علمها في الدنيا لتجيب عنها في القبر قدر الله هذا التقدير، وحصر الفيء في هؤلاء المعينين لـ { {كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً} } أي: مدوالة واختصاصا { بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ } فإنه لو لم يقدره، لتداولته الأغنياء الأقوياء، ولما حصل لغيرهم من العاجزين منه شيء، وفي ذلك من الفساد، ما لا يعلمه إلا الله، كما أن في اتباع أمر الله وشرعه من المصالح ما لا يدخل تحت الحصر، ولذلك أمر الله بالقاعدة الكلية والأصل العام، فقال: { {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا } } وهذا شامل لأصول الدين وفروعه، ظاهره وباطنه، وأن ما جاء به الرسول يتعين على العباد الأخذ به واتباعه، ولا تحل مخالفته، وأن نص الرسول على حكم الشيء كنص الله تعالى، لا رخصة لأحد ولا عذر له في تركه، ولا يجوز تقديم قول أحد على قوله، ثم أمر بتقواه التي بها عمارة القلوب والأرواح والدنيا والآخرة، وبها السعادة الدائمة والفوز العظيم، وبإضاعتها الشقاء الأبدي والعذاب السرمدي، فقال: { {وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} } على من ترك التقوى، وآثر اتباع الهوى.
وجعل الله سبحانه وتعالى للزكاة دورها في محاربة الفقر وتقليل الانحراف في توزيع الثروة، وعلاج مشكلة التفاوت الاقتصادي الفاحش؛ حيث يعمل الإسلام على عدالة التوزيع، وتقارب الملكيات في المجتمع.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل حين أرسله إلى اليمن: “..أعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم” (رواه البخاري ومسلم).
كما أن للعمل الخيري المتمثل في الصدقة الجارية دور هام في علاج الانحراف في توزيع الثروة، وتجلى ذلك بوضوح في نظام الوقف الإسلامي عبر أغلب المراحل التاريخية. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: “صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له” (رواه البخاري ومسلم)، ليحقق التكافل بين الناس.