من يعيش بمنزلة الإحسان يدرك ما لا يدركه الآخرون فهي منزلة علوية تربط بالسماء أكثر من الأرض تعيش فيها صافي القلب صافي النفس مطمئن الفؤاد لا تحزن على ما فاتك من الدنيا كل غاياتك رضا الله فأنت لا ترى غيره في كل أفعالك وحركات وسكناتك وبهذا تسامح من اساء وتعفو عمن ظلم ولا تطمع بما يدي غيرك ولهذا يحبك الله ويحبك الناس.
معنى الإحسان:
ومن أبلغ الأقوال في الإحسان قول من أوتي جوامع الكلم – صلى الله عليه وسلم: «أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ» (البخاري ومسلم)، وفي هذه الكلمات الكفاية عما عرفه به غيره؛ فالكلمات النبوية جامعة وافية وتهني انك ترى الله في أفعالك فتحسن علاقتك به وترى في أخلاقك فتحسن أخلاقك مع النماس ومع نفسك فتخلص نيتك وتبتعد عن الشرك والرياء لتكون من المخلِصين المخلَصين، ومن مقتضيات المراقبة والخشية والإنابة والإتقان والاتباع وصفاء السريرة .. ما فيه صلاح الدنيا والآخرة. فبيَّن صلى الله عليه وسلم أن الإحسان على مرتبتين متفاوتتين : المشاهدة والمراقبة، وخلق الإحسان يتسع ليشمل القول والعمل والعبادات والمعاملات .. فهو إكسير الحياة الذي يحيلها طيبة متآلفة، لذلك جعل الله تعالى رحمته ومحبته جائزة المحسنين {وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (آل عمران:134){إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ} (الأعراف:56).
منزلة الإحسان:
للإحسان منزلة كبيرة ودرجة عالية ومكانة رفيعة لا يدركها كل الناس بل لا يدرك كل متمن لأنها لا تنال بالتمني بل تحتاج إلى صبر ومكابد ومجاهدة لتصل إليها، يقول ابن تيمية: (جعل النبي صلى الله عليه وسلم الدين ثلاث درجات: أعلاها الإحسان، وأوسطها الإيمان، ويليه الإسلام. فكل محسن مؤمن، وكل مؤمن مسلم، وليس كل مؤمن محسنا، ولا كل مسلم مؤمنا ..)، ثم قال: (وأما الإحسان فهو أعم من جهة نفسه، وأخص من جهة أصحابه من الإيمان، والإيمان أعم من جهة نفسه، وأخص من جهة أصحابه من الإسلام، فالإحسان يدخل فيه الإيمان، والإيمان يدخل فيه الإسلام، والمحسنون أخص من المؤمنين، والمؤمنون أخص من المسلمين).
صور الإحسان:
وللإحسان صور كثيرة منها حسن الخلق قال صلى الله عليه وسلم : اتق الله حيثما كنت
ومنها الإحسان في المعاملة بإتقانها "إنَّ اللهَ تعالى يُحِبُّ إذا عمِلَ أحدُكمْ عملًا أنْ يُتقِنَهُ"
ومنه أن تطهر قلبك وتستعيذ بالله من الشرك والرياء : "اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك شيئا أعلمه وأستغفرك لما لا أعلمه".
الإحسان للوالدين: "وبالوالدين إحسانا.."
والإحسان إلى الجيران: فقد حض النبي صلى الله عليه وسلم على الإحسان إلى الجار وإكرامه: "...ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره". وعند مسلم: "فليحسن إلى جاره".
الإحسان في القول: قال تعالى "وقولوا للناس حسنًا"..
الإحسان بالعفو عمن ظلمك: "فمن عفا وأصلح فأجره على الله"
الإحسان في القضاء: فعن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا حكمتُم فاعدِلوا، وإذا قتلتُم فأَحسِنوا، فإنَّ اللهَ مُحسنٌ يحبُّ المحسِنين) رواه الطبراني وحسنه الألباني.
الإحسان حتى مع الحيوانات أثناء الذبح فعن شداد بن أوس رضي الله عنه قال: حفِظتُ مِن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم اثنتَين: أنَّه قال: (إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ كتَبَ الإحسانَ على كلِّ شَيءٍ، فإذا قتَلْتُم فأَحسِنوا القِتْلةَ، وإذا ذبَحْتُم فأَحسِنوا الذَّبحَ، ولْيُحِدَّ أحَدُكم شَفْرتَه، ثمَّ لْيُرِحْ ذَبيحتَه) رواه مسلم. قال الطيبي: "قوله: (كتب) أي أوجب وفرض مبالغة، لأن الإحسان هنا مستحب، (الإحسانَ) معنى التفضل.. والمراد بالتفضل إراحة الذبيحة بتحديد الشفرة وتعجيل إمرارها وغيره". وقال الهروي: " إِلَى كُلِّ شَيْءٍ، أَوْ عَلَى بِمَعْنَى فِي أَيْ: أَمَرَكُمْ بِالْإِحْسَانِ فِي كُلِّ شَيْء.. والمراد منه الْعُمُومُ الشَّامِل لِلْإِنْسان والحيوان حَيًّا وَمَيِّتًا".
ثمرات الإحسان:
ومن أعظم ثمرات الإحسان قوله تعالى: {لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} (يونس:26)الحُسْنَى: أي البالغة الحسن في كل شيء، من جهة الكمال والجمال، وهي الجنة، وقد ثبت عن النبي في صحيح مسلم تفسير الزيادة المذكورة في هذه الآية الكريمة بأنها النظر إلى وجه الله الكريم في الجنة، ولا يخفى ما بين هذا الجزاء وذلك الإحسان من المناسبة، فالمحسنون الذين عبدوا الله كأنهم يرونه، جزاهم على ذلك العمل النظر إليه عياناً في الآخرة {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ}(الرحمن:60)وعكس هذا ما أخبر الله به عن الكفار في الآخرة بقوله: {كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} (المطففين:15) {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى}(النجم:31).ش