اجمع الفقهاء وأهل العلم علي أن الإيمان بالقضاء والقدر هو التصديق الجازم بأن كل خير وشر فهو بقضاء الله وقدره، وأنه الفعّال لما يريد، لا يكون شيء إلا بإرادته، ولا يخرج شيء عن مشيئته، وليس في العالم شيء يخرج عن تقديره، ولا يصدر إلا عن تدبيره، ولا مَحيد لأحد عن القدر المقدور، ولا يتجاوز ما خُط في اللوح المسطور، وأنه خالق أفعال العباد والطاعات والمعاصي،
ومن الثابت شرعا أن الإيمان بالقدر يجعل الإنسان يمضي في حياته على منهج سواء لا تبطره النعمة، ولا تيئسه المصيبة، فهو يعلم أن كل ما أصابه من نعم وحسنات من الله، لا بذكائه وحسن تدبيره "وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ" "النحل، آية : 53". ولا يكون حاله حال قارون الذي بغى على قومه واستطال عليهم بما أعطاه الله من كنوز وأموال>
وفي تأكيد علي فضل الإيمان بالقدر روي عن الصحابي الجليل عُبَادَة بْن الصَّامِتِ رضي الله عنه أنه قال لِابْنِهِ عند الموت: يَا بُنَيَّ، إِنَّكَ لَنْ تَجِدَ طَعْمَ حَقِيقَةِ الْإِيمَانِ حَتَّى تَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ، وَمَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ، مضيفا سَمِعْتُ رسول اللَّه صلَّى الله عليْه وسلَّم، يقول: "إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمَ، فَقَالَ لَهُ: اكْتُبْ قَالَ: رَبِّ وَمَاذَا أَكْتُبُ؟ قَالَ: اكْتُبْ مَقَادِيرَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ"، يَا بُنَيَّ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ مَاتَ عَلَى غَيْرِ هَذَا فَلَيْسَ مِنِّي
وقد ثبت في الأثر أن هناك فوائد وثمار عديدة للإيمان بالقضاء والقدر منها أنه مصدر تحقيق السعادة والرضا وهو ركن الإفادة من هذه الدنيا والاستفادة، منه تنشرح الصدور، ويعلوها الفرح والحبور، وتنزاح عنها الأحزان والكدور، فما أحلاها من حياة عندما يسلِّم العبد زمام أموره لخالقه، فيرضى بما قسم له، ويسلِّم لما قدّر عليه، فتراه يحكي عبدا مستسلما لمولاه،
وقد قال الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز رحمه الله : أصبحت وَمَا لِيَ سرورٌ إلا في مواضع القضاء والقدر، قَالَ تَعَالَى: " قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُون التوبة: 51.
بل أن الأيمان بالقضاء والقدر هو بوابة ذهبية للحصول على الأجر الكبير، قَالَ تَعَالَى: " وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِين * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعون * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُون " "البقرة: 155-157"،
وكذلك قال الخليفة الأموي في نفس السياق : نعم العدلان، ونعمت العلاوة؛ " أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ " فهذان العدلان، " وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُون " هذه العلاوة، وهي ما توضع بين العدلين وهي زيادة في الحمل، فكذلك هؤلاء أعطوا ثوابهم وزيدوا أيضًا.
ولا يمكننا ونحن نرصد ثمار الإيمان بالقضاء والقدر أنه مصدر لغنى النفس، روى الترمذي في سننه مِن حَدِيثِ أَبِي هُرَيرَةَ رضي اللهُ عنه: أَنَّ النَّبِيَّ صلى اللهُ عليه وسلم قَالَ: "وَارْضَ بِمَا قَسَمَ اللهُ لَكَ تَكُنْ أَغْنَى النَّاسِ".
اقرأ أيضا:
الذكر يريح القلب ويبعث الطمأنينة .. تعالوا نذكر الله بهذه الطريقةومن الثابت كذلك أن من ثمار الإيمان بالقضاء والقدر عدم الخوف من ضرر البشر، روى الترمذي في سننه مِن حَدِيثِ ابنِ عَبَّاسٍ رضي اللهُ عنهما: أَنَّ النَّبِيَّ صلى اللهُ عليه وسلم قَالَ: "إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الْأَقْلَامُ، وَجَفَّتِ الصُّحُفُ"].
كما ان الإيمان بالقضاء والقدر يعد مصدرا للشجاعة والإقدام، فالذي يؤمن بالقضاء والقدر ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وأن الأجل مقدر لا يزيد فيه حرص حريص، ولا يرده كراهية كاره، لا يهاب الموت، قَالَ تَعَالَى: " وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله كِتَابًا مُّؤَجَّلاً " "آل عمران: 145".
ومن ثمار الإيمان بالقضاء والقدر أنه طريق بين التوحيد والشرك، فالمؤمن بالقدر يُقرُّ بأن هذا الكون وما فيه صادر عن إله واحد ومعبود واحد، ومن لم يؤمن هذا الإيمان فإنه يجعل من دون الله آلهة وأربابًا