حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الطمع أشد التحذير فقال: "وأهل النار خمسة: ... والخائن الذي لا يخفى له طمع، وإن دق إلا خانه..." الحديث.

وكان صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله "من نفس لا تشبع".

والطمع يُذهب البركة ويجعل الشخص في شعور دائم بالفقر، فهو يؤدي إلى إذلال النفس في طلب الرزق بدلاً من التوكل على الله والرضى بما كتبه، وقد قال صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ عند البخاري وغيره ” تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ، وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ، وَعَبْدُ الخَمِيصَةِ، إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ، وَإِنْ لَمْ يُعْطَ سَخِطَ، تَعِسَ وَانْتَكَسَ، وَإِذَا شِيكَ فَلاَ انْتَقَشَ “.

تجربة شخصية

سألني صديقي أن أقدم إليه المشورة من أمره، فقد كان تعيس الحال لا يجد عملا ولا ملجأ، غير أنه يعيش على ذكريات أخطائه في الماضي حينما ضيع الفرصة تلو الفرصة ليصبح غنيا، وكنت دائما ما أذكره بالله وآمره بالصبر، وأن يتعلم من أخطائه، حيث كان مسرفا وكثير الشكوى في نفس الوقت، فضلا عن طمعه في كل ما في يد الغير، وأن يدخر من عمله ومكتسبه ما ينفعه في الدنيا والأخرة.

حتى جاء وقت الفرج والفرصة الأخيرة بعد الفرص المتكررة، وجاء من يطلب منه شراء عدد كبير من منتجاته التي يقوم بتصنيعها، وكان هذا المنتج يمر بمراحل تصنيع متعددة كل مرحلة لها صانع من أهل الاختصاص، وتحتاج لفريق عمل متكامل، مثل فن العمارة التي تحتاج عمال الخرسانة ونجارين المسلح وعمال النقاشة والحدادة والرخام .

ولما جاء صديقي من يطلب منه إنتاج عدد كبير من مجال عمله، وحدد له الشروط وأخذ عليه المواثيق من حيث الالتزام بمعايير الجودة والحفاظ على مواعيد التسليم، لتكون جاهزة في الوقت المحدد، فتح صديقي صدره، ووقع على كل شروط إنجاز الصفقة.

وبعدما أخذ صديقي العربون، وكنت متواجدا معه، همهم صديقي بأنه كيف يسمح لنفسه بأن يستعين بخمسة أو ستة أفراد من أهل التخصص الأخرين في مجاله لكي ينجز ما وقع في الاتفاق عليه، مبررا بأن الأمر بسيط ولا يحتاج لهؤلاء، فقد يمكنه من خلال الأدوات والحيل البسيطة أن يستغني عن أعمالهم ويقوم هو بها، ولن يفهم الزبون هذه الحيل لأنه ليس متخصصا، وسينطلي عليه المنتج ولن يكشف عواره وعيوبه.

ووجه سؤاله لي: " كيف أسمح لأفراد أخرين أن يشاركوني في هذه الصفقة التي انتظرتها طويلا، فالأمر بسيط، ولا أحتاج إليهم، فأنا إذا قمت بعملهم سأوفر في كل قطعة ما بين ثلاثمائة جنيها وأكثر مقدار ما سيتقاضاه الصناع الأخرون كل في تخصصه حتى يكتمل العمل، وأنا إذا وفرت هذا المبلغ الكبير سيكون الربح بمئات الآلاف".

ذكرت صديقي بأخطائه في الماضي والتي لطالما ندم عليها، وذكرته بقوله الدائم بأنه لو رجع به الزمن سيصحح أخطائه، إلا أنه لم يستمع إلي وسرح بخياله في مكسبه السريع، فعاودت كلامي محذرا من أن يمضي في طمعه، وأن ما يقوم به الصناع الأخرون هو رزقهم الذي جعله الله سببا لهم، فضلا عن أنه سيفشل في إنجاز صناعة العدد الكبير المطلوب منه دون الاستعانة بتخصصاتهم.. إلا أنه رفض وقال إن هذه فرصته الأخيرة ولن يفرط فيها من أجل تعديل أحواله وتحقيق ربح كبير.

ولكن هيهات أن يحقق الطمع ما كان يهرول إليه صديقي، فقد فشل في إنجاز ما طلب منه في الوقت المحدد، فضلا عن كارثة إنجاز العمل بمعايير الجودة المطلوبة، نظرا لعدم تخصصه في جميع مراحل إنتاج هذا المنتج الذي يمر بمراحل عديدة، لترفض الشركة استلام الطلبية، وتتطلب الشرطة، التي ألقت القبض على صديقي الذي أصيب بالحزن وأصيب بـ "غرغينة" أدت إلى قطع كلتا قدميه، فضلا عن خراب بيته بالديون والتعويضات التي قضت عليه، ولولا قطع قدمه لسجن.

اظهار أخبار متعلقة

الفرق بين الطمع والطموح

هناك فرق كبير بين الشخص الطموح والشخص الطماع، فالشخص الطموح هو الذي يضع أمامه مجموعة من الأهداف التي يسعى لتحقيقها ومن أجل ذلك فهو يجتهد ويبذل قصارى جهده وبالإضافة إلى ذلك فهو يستعين بالله ويتوكل عليه ويرضى بقضائه ولا يسخط على حاله ابدًا، أما الشخص الطماع فهو على العكس تمامًا فهو شخص لا يرضى بقضاؤه فهو دائم البحث عن المزيد حتى وإن كلفه ذلك اللجوء إلى طرق تغضب الله للحصول على ما يريده .

علاج الطمع

لكي ينتزع المسلم تلك الصفة البغيضة منه عليه أن يتحلى بالرضا والقناعة، وأن يعلم أنه لن يحصل من الدنيا إلا ما كتبه الله له، وعليه أن لا يجعل حب المال يلهيه عن ذكر الله تعالى، بل على العكس يجب عليه أن يجعل من المال الذي أعطاه له سبيلاً لرضا الله، وأن يحرص على أداء الزكاة حيث أن فيها شفاء للقلب من الطمع .

ويجب أن يحرص على أن يكون كريمًا مع الناس، فالكرم من أقصر الطرق للقضاء على الطمع، وأن يشاركهم في طلب الرزق فالأرزاق بالله، كما يجب أن يكون أمينًا على أموال الآخرين وأن لا يسأل الناس الزيادة إذا كان يمتلك ما يكفيه، ومن الضروري أن يراعي الله في الطريقة التي يتحصل بها على أمواله، فلا يجمعها من الحرام الذي يغضب الله تعالى .