كان الفاروق عمر يحب المدح الصادق ولا يمدح الرجل إلا بما هو فيه، وليس هذا من قبيل المدح المذموم.
فمدح ووصف الرجل بأخلاق يمدح عليها صاحبها، يكون نعتا حميدا، وهذا يصح من المولى في حق عبده، فقد قال الله تعالى في حق نبيه أيوب عليه الصلاة والسلام: "إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب".. وقال تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وإنك لعلى خلق عظيم .. وقال تعالى: " قد أفلح المؤمنون * الذين هم في صلاتهم خاشعون".
فائدة:
فعلى هذا يجوز مدح الإنسان بما فيه من الأخلاق الحميدة. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: «إذا رأيتم المادحين فاحثوا في وجوههم التراب» فقد قيل : هو المدح الباطل والكذب، وأما مدح الرجل بما فيه فلا بأس به.
آداب ولطائف الاعتذار:
1-مدح سارية الديلي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو سارية الذي أمره عمر رضي الله عنه على السرية، وناداه في خطبته بقوله: يا سارية الجبل، فمن مدحه في رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله:
فما حملت من ناقة فوق ظهرها .. أبر وأوفى ذمة من محمد
وهو أصدق بيت قالته العرب.
2- ومدح رجل هشام بن عبد الملك، فقال له: يا هذا إنه قد نهي عن مدح الرجل في وجهه، فقال: ما مدحتك، ولكن ذكرتك نعم الله عليك لتجدد لها شكرا، فقال له هشام: هذا أحسن من المدح، ووصله وأكرمه.
3- وكتب رجل إلى الوزير عبد الله بن يحيى بن خاقان: رأيت نفسي فيما أتعاطى من مدحك كالمخبر عن ضوء النهار الباهر، والقمر الزاهر، وأيقنت أني حيث انتهي من القول منسوب إلى العجز مقصر عن الغاية، فانصرفت عن الثناء عليك إلى الدعاء لك، ووكلت الإخبار عنك إلى علم الناس بك.
4- وقال أعرابي لرجل: لا يذمّ بلد أنت تأويه، ولا يشتكى زمان أنت فيه.
5- وكان الحجاج يستثقل رجلا يدعى زياد بن عمرو العكلي، فلما قدم على عبد الملك بن مروان قال: يا أمير المؤمنين، إن الحجاج سيفك الذي لا ينبو، وسهمك الذي لا يطيش، وخادمك الذي لا تأخذه فيك لومة لائم، فلم يكن بعد ذلك على قلب الحجاج أخف منه.
6- وقال رجل آخر: أنت بستان الدنيا، فقال له: وأنت النهر الذي يسقى منه ذلك البستان.
7- وقال رجل لأبي عمرو الزاهد صاحب كتاب الياقوتة في اللغة: أنت والله عين الدنيا، فقال له: وأنت والله نور تلك العين.